تابعي الاثر

الجمعة، فبراير 11، 2011

الديـــر

     الى الدير

مساؤك عبادة…

تكشفت سحب النهار القاتمة ليلا عن هلال كحد السيف ,لا زال فتيا بعناد يشبه منجل فلاح
في توهجه تحت أشعة الشمس الحارقة أيام الحصاد ,يبدو كمن يتوعد أعداد النجوم الغفيرة التي تحيط به بقطع رؤوسها…ما عدا إحداهن نجمة الشمال البديعة المرافقة الدائمة بسكون تشهد مزاجه المتقلب كل شهر برحابة صدر أنثى نقية ,قديسة دير السماء ,خرساء , رعناء نجمة الشمال تلك لا حظ لها منه غير مراقبته يصغر ويكبر ويكبر ويصغر…نسيت إن أسالك مساء اليوم لما تجزم كل مرة أنني أكرهك؟لا يبدو سؤالك هل تكرهينني سؤالا وان أضفت إليه تلك الصنارة المعقوفة التي تلهث وراء إجابة فلا يبدو لي سؤالا على الإطلاق انه جزم يستتر وراء ثوب استفهام معقوف الطرف بائس كصاحبه , وأكررها للمرة الألف أنني لا أكرهك
ربما أكرهك قليلا…بعض الشيء …وأحيانا  يطيب لي أن أكرهك كما يطيب لي أن احبك أحيانا كراهبة في دير, أو كنجمة شمال تقف عند عتبة باب القمر تشاهد بذهول العذارى انكشافه واستتاره كل مساء على مرأى من النجوم البلهاء التي تشهد العرض كل ليلة بعيون لا تنام إلا عند الفجر ,ألا تستقيل تلك النجمة؟إنها وضيفة غير مدفوعة الأجر وتبديد لمواهبها في تحديد اتجاهات القوافل والعاكفين على البحث عن دير وسط صحراء الشكوك والظنون .

ديري بداخلي احمله قبلتي , وقبلتي على جبين المودة كل صباح دار إنابة وعبادة ,كنت ديري تارة وجهنم أفكاري وتطلعات رأس راهبة صغير ترفعه للسماء ولا ترى فيها غير كم هائل من الثقوب المتوهجة ونجمة شمال وحيدة وقمر,وتسألني لما أكرهك ؟في حين عليا ان أسالك لما لا تحبني؟ ديري أولى بي وأنا محاطة بجيوش الشك ,به أتحصن من الصنارة المعقوفة التي تتسلل إلى كل الجمل محاولة بجهد أفعى عملاقة التوغل إلى حصني المنيع وهتك ستر عظامي المستتر تحت ثوب القديسات هذا…تبدو كطفل صغير مرغ انفه في التراب وانتهكت طفولته, مبتل العينين , والأنف لا يتوقف عن الشهيق بشكل مقزز وهو يسأل أمه لما تكرهينني؟
تحن الأمهات بغريزية مبهمة إلى منضر المياه المنسكبة بغزارة على ظهر إثم صغير,لا أكرهك
لكنني املك من الأسباب ما يجعلني ارغب في ركلك كل مرة ترتكب فيها خطيئة الصمت كلما احتجت لصوت يخرق جدار الصوت ببراعة الصمت ,بعض الصمت بالغ البراعة في الحديث
وبعض الحديث بالغ الركاكة في البوح ,لهذا نكتب وفي الكتابة صمت وحديث ,زواج موفق أحيانا إن وفقنا في اختيار القاموس المناسب من المفردات والعبارات الدقيقة التي تشي بالفرح
وسط مشاهد البكاء التي تفرض نفسها على نص الحياة ,إلا أن بعض الصمت كحد سيف يغادر غمده إثما وعدوانا ,فيحيل وشاية الفرح وشاية كاذبة , لا يشي الصمت إلا بالعجز حينما يتعلق الأمر بمن نحبهم , لذا لا تصمت ولا تطل الصمت أثناء صمتك ولا تجعل الحزن مطيته فيطيل من زمن الحداد على صوت مفقود وكتابة مفقودة وسط عتمة المؤلفات الكثيرة التي تحاصرنا بصمت الرهبان.




أما أنا الراهبة القديسة كما وصفتني دائما فمكاني ليس بين بني البشر .مكاني ديري الذي في قلبي ومحجي إلى الله في كل حين,لا يسمح للركعة بالهروب في صلاة القانتين ,القديسات لا
يجبن بل يهربن إلى الأديرة وأنا مشتاقة إلى قبلتي ومحجي بين القديسين ولا اكره العصاة فانا منهم وأحب التائبين من يعصون وتتبلل خدودهم ولحاهم بغيث الندم ويعودون إلى الخطيئة كأول مرة وتعود دموعهم كالغيث المنهمر ككل مرة, وأثوب ويثوبون ويثوب الله علينا إلى حين نبعث من جديد , العصاة من غير طينة الصامتين ,الصامتون يمتهنون الكراهية والغدر ,يغدرون بالشفاه المثقلة بالبوح يسومونها عذاب التنكيل بالصمت غير المسموع وأنا لا أحب الصامتين الهاربين من الركوع والسجود في حضرة الكلام والبوح , من اختاروا حفر الموت كانوا محاطين بأناس لا ينطقون ,متاحف الشمع لا يستهويني جمودها القاتل بجمال, لا يليق بطقوس العبادة الناطقة بإيمان...وأنا لا أكرهك ما كان لي أن اكره بشرا أو أحب ,المعتكفون في المحاريب لا يعرفون غير الحنو,صلاة الفقراء مناجاة ونجاة من الكراهية والحب ,نحن المشتاقون إليه ,نحن العصاة من كان في جيدهم حبل مربوط إلى وتد الخطايا والآثام ,هل نجرأ أن نحب ونكاشف بالحب أو الكراهية؟من نكون لنفعل ذلك في حضرته والحب كله يخلص إليه والكراهية ,لا أريد أن اكره أو أحب إلى فيه وله ,حينها ستتكشف نوايا القلوب وقدراتها لكن ليس بعيدا عن حصون الدير,لا تقطن الجهالة قلوب الانقياء من لوثتهم الخطيئة وعادوا كالأطفال وجوههم يعلوها اليأس والرجاء في أكف تمسح الدمع ببارقة أمل وفرصة ,من كان يعتقد أن المودة فيه غير هذا فقد أخطا , وأنا لا أكرهك,لا اكره ابتلائي بالحياة وتصاريفها
وليتني اجتهد في الوصول إلى عبادة شكر على الابتلاء في المودة والبغض ,قلوب الناس جميعا بين يدي الله يقلبها كيف ما يشاء ويختبر الكل بقدر استطاعته على تحمل قوة نبض القلب وتحمل الجوارح لتصاريف القدر,لا اشك في طيبة بني ادم فهم مجبولون عليها كما جبلوا على الشر,بل اشك في قدرتي على التواضع أمام الشر القاطن بين شقوق النفس العنيدة بجهالة وكفر
لهذا أود العودة إلى الدير ,أود بكل إخلاص تنظيف الزوايا من الشر المتربص بالقلب النقي
وأضنني قادرة على ذلك ,ليس لنا نحن المعدمون إلى التشبث بسجادة المناجاة ...
عليا أن أغلق النافذة ألان والدي لا يحب تلصص القمر إلى الغرف المغلقة بإحكام ,لا القمر
بإمكانه مغادرة قبة السماء ولا النوافذ بإمكانها أن تبقى مشرعة لمشاهدة عرض القمر كل ليلة.


                                                     رضوى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق