تابعي الاثر

الأحد، يناير 23، 2011



من يدخل مدينة صنعاء، يعلم جيداً أنه يضع قدمه على واحد من طرق العودة إلى مرتفعات الماضي القريب والبعيد، خاصة في تاريخ الجزيرة العربية، ويبدو الطريق أكثر وضوحاً عند عبور سور صنعاء القديمة، وتحديداً من باب «اليمن»، ما يجعل السائح أو الزائر يشك في وجود موقع تاريخي آخر، يحمل قيمة أثرية مشابهة، إلا أن «دار الحجر»، وهو قصر أثري قديم مشيد على صخرة عظيمة، كفيل بتبديد هذه الظنون.


في الطريق المؤدي إلى «دار الحجر»، أو قصر العجائب كما يطلق عليه اليمنيون، والتي تستمر لقرابة 14 كيلومترا تقريباً، إلى الشمال الغربي من الأطراف الشمالية للعاصمة اليمنية، ليس هناك ما يشي بظهور دار حجرية قديمة، مليئة بالعجائب، سوى بعض المراقب الحجرية القديمة المتهدمة، التي تشرف على وادي «ضهر»، وهو وادٍ كبير اشتهر منذ عصور ما قبل الإسلام، ويشهد على ذلك بعض النقوش الصخرية القديمة، حيث ذكر الوادي لأول مرة في القرن السابع قبل الميلاد في نقش النصر، وذكر المؤرخ الهمداني.. «من مآثر اليمن ضهر، وهو موضع فيه وادٍ وقلعة ومصنعة، منسوب كل ذلك إلى «ضهر بن سعد»، وهو على بعد ساعتين من صنعاء أو أقل، وفي هذا الوادي نهر عظيم يسقي جنتي الوادي، وفيه ألوان من الأعناب وغراسه من البياض والسواد..».

وفي منتصف الطريق، ينقطع الإسفلت، ويبدأ طريق غير معبد، يمر ببعض البيوت المأهولة بالسكان، والتي أقيمت على جانبي الطريق الترابي، وتتناثر أكشاك بيع ثمار التين الشوكي والكمثرى والتفاح، وجميعها تزرع في المزارع المنتشرة في ضفتي وادي ضهر.

وعند الوقوف في المواقف المخصصة لسيارات الزائرين لموقع «دار الحجر»، يجبر ارتفاع الدار الحجري رفع رأس السائح إلى أعلى نقطة فيه، قبل أن تسرق انتباهه الشجرة الكبيرة والمعمرة التي تقف إلى يمين بوابة «دار الحجر»، والتي يصل محيط جذعها إلى 3 أمتار، ويبلغ عمرها أكثر من 700 عام، كما ذكر عبدالله الطالعي، المرشد السياحي في القصر.

وبمجرد دخول باحة الدار الشهيرة، والتي أقيمت على تلة من صخور الجرانيت في وادي ضهر، وسميت دار الحجر نسبة إلى الصخرة ـ الحجرة ـ التي بنيت عليها، بناها، في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، العالم والشاعر علي بن صالح العماري، الذي عاش في الفترة بين (1736-1798)، والذي اشتهر باتساع المعرفة وتعدد المواهب، لا سيما في علم الهندسة والمعمار والفلك، ومن أهم المباني التي اشتهر بتصميمها «دار الحجر»، والتي أمر ببنائها الإمام «المنصور علي بن العباس» ليكون قصراً صيفياً، على أنقاض قصر سبئي قديم، كان يعرف بـ «حصن ذو سيدان»، والتي بقيت شامخة على مر العصور، وشهدت إضافات عديدة، غير أنها تستخدم حالياً كمعلم سياحي، بعد فتح أبوابها أمام الزوار الراغبين في مشاهدة هندستها المعمارية من الداخل. غير أن الإضافات المهمة التي أدخلت في بناء هذا القصر، وفقاً لما ذكره أحمد السقاف، سائح يمني مقيم في السعودية، أمر بها الإمام يحيى ابن حميد الدين، بعد أن توارثه عدد من الملوك اليمنيين، ويتميز القصر باختلاف واجهاته الأربع، في مقابل إعطاء كل نافذة أو شرفة من الداخل منظراً مغايرا للوادي المطلة عليه، ويتناغم القصر بأدواره السبعة مع التكوين الطبيعي للصخرة المقام عليها، وكأن القصر منحوت من الصخرة نفسها،وبعد الدخول من بوابة القصر الرئيسة، إلى الباحة الواسعة، والتي يوجد بها عدة ملحقات تابعة للقصر، أبرزها جناح استقبال خارجي يدعى «الشذروان»، عبارة عن مبنى منفصل قبالة القصر من الجهة الغربية، يتكون من مجلس صيفي للمقيل، له ساحة خاصة بها ثلاث نافورات للمياه، وتسيج الساحة بنوافذ خشبية واسعة تطل على الوادي، يمكن إغلاقها وحجب الرؤية من الوادي لساحة المجلس، وبالقرب منه يوجد المطعم الرئيس وغرف الطبخ، وإلى يمين المجلس يوجد مبنى الإدارة ومقر المحكمة.

أما القصر نفسه، وبعد الالتفاف حول الصخرة المبني عليها، يستقبلك باب خشبي سميك، ويفضي الدرج، المنحوت بعد هذا الباب، الى جناح الاستقبال في الطابق الأول، ويتكون من صالة رحبة وبعض الغرف الملحقة، فيما يوجد في الطابق الثاني ردهة يخرج منها الى خارج البناء الأساسي للقصر، للوصول إلى رواق مكشوف منحوت في الصخرة وملتو عليها، مع وجود قبور صخرية منحوتة تعود الى ما قبل التاريخ، وينتهي الممر بغرف قديمة النحت، لها نوافذ مطلة على الوادي، استخدمت للحراسة والقنص، لصعوبة تحديد مكانها من خارج الصخرة، وهذا الجزء من بقايا القصر السبئي، وغطي الجزء المكشوف من الممر، ببناء استخدم كمطبخ منفصل عن القصر.

وفي منتصف الممر بين الغرف الصخرية والمطبخ توجد بئر بفتحتين، تشقان قلب الصخرة، لا يعرف تاريخ حفرهما، إحدى الفتحتين، وهي الصغرى، تبدأ في هذا الممر وتنتهي بالتقائها بالفتحة الأساسية، فتواصل خمسين مترا تقريبا، أما الفتحة الأساسية فتواصل طريقها الى الأسفل بعد اعوجاج مسارها.

وقبل الوصول الى الطابق الثالث، توجد غرفة صغيرة كانت مخصصة لـ «الدويدار»، لفظ تركي يطلق على مستخدم دون سن الحلم، يقوم بخدمة المراسلة وجلب حاجيات نساء القصر، ولم يكن يسمح لأي رجل من الحراس بتجاوز غرفة «الدويدار» الى الأعلى نهائياً، كما يوجد في الطابق نفسه جناح كان مخصصا لوالدة الإمام، ويتكون من عدة غرف، كما توجد به خزانة محكمة، وينقسم الطابق الرابع الى قسم خصص كجناح لولي العهد، به غرفة مربعة وخزنة كبيرة مرتفعة الفتحة، يمكن الوصول إليها من خلال سلم مبتكر، تغوص درجاته الخشبية في عمق الخزنة.

أما القسم الثاني المبني على الصخرة، خصص لغرف الجواري والخادمات، وفي الطابق ذاته توجد مطاحن الحبوب الحجرية «الرحى»، كما توجد أيضا الشرفة الظاهرة في الجهة الشرقية للقصر، وتسمى شرفة «المصبانة»، وهي المكان المخصص لغسيل الملابس، توجد بها بركة صغيرة تتجمع فيها مياه الأمطار. وينقسم طريق الطابق الخامس إلى قسمين، قسم خاص يؤدي مباشرة إلى الطابق السادس، حيث الجناح الخاص بالإمام، دون أن يمر بالطابق الخامس المخصص مع جزء من السادس لأجنحة الحريم (نساء القصر)، ويتكون من عدة غرف للنوم وملحقاتها، مع مجلس واسع، نوافذه عبارة عن مشربيات لا تسمح بالرؤية من الخارج إلى الداخل.

بينما يؤدي الدرج الخاص بجناح الإمام، والمكون من غرفة ركنية، مطلة على جهتي الشرق والشمال، لتوفر جوا باردا خلال فصل الصيف، كما يوجد على أحد جدران الغرفة، بورتريه متخيل للإمام يحيى بريشة فنان إيطالي، وتوجد غرفة صغيرة لها ثلاث نوافذ صغيرة، تسمى «الكمة»، حيث كان الإمام يختلي فيها بنفسه للتفكير والكتابة، كما كان يحتفظ فيها بأوراقه المهمة. بينما يتكون الطابق السابع من مجلس واسع، وملحقات ومطبخ علوي وشرفة مكشوفة واسعة، ومسيجة بأشكال بيضاوية كنوافذ، منها ما يسمح بالرؤية بحرية، ومنها ما هو مخصص لإطلالة النساء، كما يوجد في زاوية الشرفة مكان مخصص للحمام الزاجل الذي كان يستخدم في المراسلات، مع توزع ثلاجات طبيعية للمياه في الأواني الفخارية في معظم الطوابق السبعة.

وتحف بالقصر بعض المنازل، كان يقطنها كاتب الإمام وبعض حاشيته من الوزراء والحرس، إلى جانب مسجد صغير بناه الإمام، وكتب عليه «بناه لله المتوكل على الله»، وإلى الغرب منه يقبع حمام البخار الخاص بالإمام، الذي كان يستخدمه في فصل الصيف






]
www.tajsaba.com - 384x567


http://ibrahimalazab.jeeran.com/viewdw_05.JPG

http://www.abcyemen.com/yemenpic/dar-alhajar.JPG


http://www.friendsoflight.com/pp/data/505/2_copyB.jpg



بعد الحرب العالمية الأولى شهدت مدينة الحوطة في لحج نهضة عمرانية هائلة في بناء القصور وزخرفة المدينة، بعض هذه القصور تهدمت واختفت والبعض الآخر على وشك الاندثار، والسبب هو عدم الاهتمام والحفاظ على معالمنا التاريخية.

ومن أهم هذه القصور وأبرزها (قصر دار الحجر) الذي لايزال يقف بكل كبرياء وشموخ.

تم بناء قصر دار الحجر عام 1928 في عهد السلطان عبدالكريم فضل بن علي العبدلي، ويسمى القصر باسمه أيضاً.

بني على أيدي مهندسين إنجليز سبق لهم العمل في هذا المجال في لندن.. يعتبر قصر دار الحجر نسخة مماثلة لقصر باكنجهام في لندن.

يحتل القصر مكانة متميزة في نفوس سكان محافظة لحج، بل يعتبر رمزاً من رموز المحافظة ومعلماً تاريخياً بارزاً لاحتضانه الأمسيات والحفلات الثقافية والأدبية من الشعر والغناء والرقصات الشعبية، فقد كان لمحافظة لحج الدور الريادي في هذا المجال.

عندما تنظر الآن وتتأمل القصر تشعر بالأسى والحزن لأنك لم تعاصر تلك الحقبة الذهبية التي عاشتها مدينة الحوطة بالخوف والقلق على ما سوف يحدث للقصر فيما بعد.

لايزال القصر يحتفظ ببعض من جماليته، وهو خير شاهد على الفن المعماري الفريد.

ويظل دار الحجر واحدا من أروع التحف المعمارية التي أبدعتها الحقبة العبدلية وسلاطينها آنذاك، ويعد حديثاً من أعظم الآثار الباقية بما حوته بدائع الصنع الهندسي.

يطل القصر على حديقة يطلق عليها حديقة الأندلس، كانت من أجمل الحدائق وأروعها في لحج، لما تحتويه من خضرة ينشرح القلب لها وتكتحل العين برؤية منظرها الأخاذ، ليس الأمر هكذا فقط بل كانت متميزة بموقعها وهندسة شكلها المتقن بالترف السلطاني كما تشير الدلائل وبقايا الأعمدة المتناثرة في موقع الحديقة.

حيث كان ينبض من قلب الحديقة نافورة يتراقص على خرير مياهها العصافير والبلابل، بينما يبقى الإنسان الآن حائراً شارداً لما يسمعه ويراه لما أبدعه الإنسان وزينه الرحمن، ولكن لله في خلقه شؤون، كما حلت بالمكان كارثة.

لايزال قصر دار الحجر يقف بكل عزة وكبرياء لايبالي بما أصابه من جروح متلاحقة، ينظر من شرفته المتلالئة إلى حديقة كانت في يوم من الأيام خضراء باهية تكسوها الورود والأزهار ورائحة الفل والريحان الزكية.

في نهاية المقال نوجه نداءً عاجلا عبر صحيفة «الأيام» الغراء بنشر كل ما يهم في تاريخها وحرصها الدائم على معالمنا التاريخية إلى الجهات المختصة في هذا المجال (مجال السياحة والآثار) أن يعود قصر دار الحجر أبرز المعالم التاريخية في لحج إلى مكانته التاريخية ورونقه الجذاب.


http://www.mexat.com/vb/attachment.php?attachmentid=492502


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق