تابعي الاثر

الخميس، سبتمبر 10، 2015

الفنان lucio fontana‏

لوسيو فونتانا (19 فبراير 1899—7 سبتمبر 1968) هو رسام ونحات ولد في روساريو ، مقاطعة سانتا في الأرجنتين ، وهو ابن لأب إيطالي وأم أرجنتينية . مؤسس حركة سباتياليزم Spatialism التي لها علاقه بالفن الفقير.
في احد اعماله احدث شقوقا" عنيفة على سطح القماش ليفتح افاقا رمزية جديدة للرؤية رمزية حيث كونها تعبيرا عن فتح طاقات لتوصيل الهواء الى ماهو وراء اللوحة لاول مرة في تاريخ فن التصوير الذي تعددت بحوثه في التعبير عن العمق الايهامي والخداعي هذه الشقوق حقيقة بلا رموز ادبية ولا تحسينات جمالية
اعماله بالمجمل عبارة عن محاكاة الواقع لكن من منظور ذهني، ذاتي، منفلت من الإيديولوجيا ومخبئا موقفا من العالم الضاج. السؤال الذي تطرحه الأعمال المعروضة، يتمحور حول قدرة الفن على الإقناع، ومدى استعداده حمل عبء فكري، وجدوى المزاوجة بين الفكري والبصري، وإمكانيات الفن المعاصر ومحدودية مادته والبيئة المؤثرة فيه، وبالتالي إنسحابه إلى مساحة اللافن، او البيئة الواقفة بجوار الفن، والتي لا نلتفت إليها عموما. إشكاليات الفن المعاصر هو أنه فن يحتمل القبول والرفض المفاهيمية أواخر القرن التاسع عشر، كأعمال مارسيل دوشامب، وتوقيعه على قطعة من الورق المقوى وعرضها أمام الجمهور وحمله على التفكير فيه
ركز على العمل وفكرة الانفصال بين الفن والجماليات في الفنون المفهومية"، وهو أنه أزاح التركيز من العمل الفني نفسه كمادة إلي ما يمثله العمل من أفكار ومفاهيم وهو تيار أصبح مهيمناً إلي حد كبير بعد ذلك في الفنون المعاصرة وإن لم يكن هو من ساهم في تعميقه
اراد بعمله ان يصل الى الزهد في الرمز والمعنى الى البحث عن نقطة الصفر حيث يتم عزل الحواس جميعا عن المؤثرات الخارجية كي يكتشف معنى موت الحواس وهي لحظة العزلة الصوفية الكاملة "يوغا الفن " لااشكال ولاروائح ولا ملموسات ولااصوات ولا ذوق ولا طعم



رؤياسعد











‏المصور Duane Michals‏

ولد الفنان دوان ميشيل في اميركا 18 فبراير 1932 هو الذي جعل من لقطته الفوتوغرافية حكايا متسلسة متوالية مبتكرا نصا فلسفيا" ذو بعد عاطفي
جعل سطح الصورة مساحة كبيرة للمناورة مضافا لها نوعا من الدراماتيك لتحديد لحظة حاسمة كما فعل في مشروعه " الفردوس المستعاد" فوجود شخوصه في الفوتوغراف غير ثابت بل متحرك على الدوام خلق صورة متحركة متحررة من البعد المادي وتفهمها بمرور الوقت والاطلاع على بقية الصورة التي تمت بصلة للقطة الاولى
فهو يكتب حول ما لايمكن ان نراه او نلمسه هو يقوم بحصر الحدث بوعي المتلقي مع حشد الحواس التي تستشف من خلال كمتلقي بتتابع اللقطات وماهية الحكاية

يقول في مذكراته انه من عشاق الكتابة والسرد ويستعين دائما بالقلم والحبر يعشق رائحة الحبر لتوثيق وتعزيز قصصه الصورية فيكتب شرحا مبسطا حول كيفية التقاط الصورة او القصد من وراء التقاطها .له مخطوطات كثيرة كونه محبا" لتوثيق مذكراته علاوة على كونه كاتب فهو ايضا قاريء نهم يمتلك في منزله القائم في مدينة نيويورك ثلاث مكتبات ضخمة يقول " ان الصور الصغيرة التي تحمل حميمية المعنى تهمس في اذن المتلقي " تعال اقترب مني اكتشف من انا ساقول لك سرا ما "
تطرق للكثير من المواضيع الحيوية الجريئة والتي عرضته الى مخاطر مهنية منها الجنس زواج المثليين العزلة والجريمة هو يجازف من منطلق ان على المصور واجب يحتم عليه ان يكون مهني لا منحاز الى موضوع واحد بل يتطرق الى جميع المواضيع وخصوصا تلك التي يتكتم عليها المجتمع ويجعل من فكرتها تابو كونه مصور فهو مختلف جدا عن اقرانه كــ انسل آدمز وهنري كارتيه بريسون له ابطاله ومواضيعه التي تهتم بفلسفة ما ..
مهتم جدا بالافكار الميتافيزيقية مثلا ماذا يحدث للانسان عندما يموت ؟!

مترجم بتصرف 

رؤيا سعد






الأحد، أغسطس 30، 2015

اعد اصباعي .. تخطيطات الفنان يحيى الشيخ

«ليس الغبار أكبر مخاوفي، بل هي يد الإنسان»
الفنان الفرنسي ادغار ديغا
اكتب وللمرة الثانية عن الفنان العراقي " يحيى الشيخ "، وهذه المرة عن اصابعه.
كانت اليد ولاتزال هي الثيمة الاكثر اعجازا في الفن، وفي الحياة، إنها التي صنعت من الكائن البشري انساناً، ومن الفنان واهباً للجمال.
ما من عمل فني يكون فيه انسان إن لم يفكر الفنان بمكان اليد ومكانتها – سائبة، مقبوضة، متخفّية، ممدودة، حائرة، او تسند رأساً- هناك في عروقها وعضلاتها تكمن احاسيس الانسان وحالته وقدرته على الحياة، هناك يكمن المعنى.
إنها "اليد التي خلقتني" كما يقول الشيخ، والذي شغلني امرها، في مجموعته التخطيطية "احسب اصابعي" وهو يعدها: خنصر بنصر وسطى سبابة ابهام، ويعيد عدّها مرة ثانية، ويخطأ ! هكذا جاء في قصيدته "اخطأ ثانية". عجبا كم مرة على المرء ان يعدّ اصابعه ليعرف، اصابع يده التي خلق عليها ولا زمته في رحلته، التي حكّ بها اسنانه اللبنية، والتي يتلمس بها الحيطان بعد عمر طويل. او تلك، التي يحسبها المحكوم بالاعدام، الذي رفض كل شيء غير ان يواصل، بلا هوادة، يعدّ أصابعه، ويعيد الكرة بلا أمل، كما في قصيدته " أحسب اصابعي": 
"..... أهملني،
لا يكلمني،
لا يأكل، 
لا يشرب،
لا يدخن،
لا يكتب،
لا يرسم،
لا يغني،
يقضي وقته يقلّب كفيه،
يتأمل أظافره النظيفة المقلّمة بإتقان،
ويحسب أصابعه."









لستُ في حقل شعره لأقطف المزيد من زهوره شرسة العطر، اليائسة من نجاتها، إنما انا في مرسمه. أمام تخطيطات تلقائية لاصابع وايادي نسجت سنيناً عامرة بالنتاج الفني حتى أصبحتْ جزءً من الموضوع. انها تلقائية تنطوي على الكثير من الثقة بحساسيتها وبقدرات صاحبها. تظهر افعالها تلقائيا بين أفكار اللوحه تتلمس، تنقر، تعدّ، تمسك. فعلت فلعها بالزمن وتركته ينقش اثره عليها. اصابع فرشت خيوط اللباد والريش بدلا من ألوان الزيت وغيرها. بها وبحرفة رسم لنا الطبيعة، تلك الحبيبة الاولى والملهمة لكل فنه. يد نحتت الكلمات بحكمة بعثت النبض في اللغة، فكتب لنا "سيرة الرماد " وساعة الحائط " هذه اليد هي من عقدت الصلح في استقامة القلم وعلّمته الرصانة.
ايتها اليد الممتلئة بايامك المعدودة كعدّ الاصابع، في مثل هذه الأيام تحتاجين قليلا من الثبات، قليلا من التروي، قليلا من الحكمة؛ حتى يكون العالم بخير .. ممتليء بالجمال خادم للانسان... رسالة يحيى الشيخ الى العالم عبر اصابعه.

الجمعة، يوليو 31، 2015

‏نصب Lidice children‏

في يوم 2/يوليو /1942 اقتيد 82 طفل من اطفال يديس وهي قرية تشيكية (براغ/ تشيكوسلوفاكيا ) الى مقبرة جماعية لاعدامهم بواسطة الغاز في مجزرة هي الاشهر من مجازر الهولوكوست على يد الطاغية القائد النازي " راينهارد هيدريش " نقلو من مكتب لودز الجستابو. ثم تم نقلهم الى كليمنو على بعد 70 كيلومترا بعيدا حالة الاغتيال تلك تمت اثناء احتلال ألمانيا النازية في أبريل عام 1939
اقامت الفنانة التشيكية ماري أوشتيلوفا مقبرة جماعية لهم على شكل نصب تذكاري تصور فيه حالة الاطفال اثناء الاقتياد واللحظات الاخيرة لاعدامهم حيث اختيروا للاعدام عشوائيا" صورت حالتهم الرثة قبل الاعدام لان اغلبهم خطفوا من منازلهم او مدارسهم وقد صورتهم الفنانة يعانون من قلة النظافة والخوف وهم يبكون مستنجدين بنظراتهم البريئة الرحمة من الطغاة .




                                          صورة حقيقية لبعض الاطفال المغتالين ماخوذة من مدرستهم


                                                              الفنانة وهي تنحت الاطفال الضحايا

ان اقامة هذا النصب ماهو الا مباردة منها كمواساة لاباء هؤلاء الاطفال بزيارة اطفالهم المعدومين كل سنة لنفس هذا المكان هكذا بدأت العمل على النصب في 1969 واستمرت حتى وفاتها في 1989، من دون أن تراه منصوبا لكن بعد وفاتها واصل زوجها العمل، وتم نصب تماثيل الأطفال تباعا حتى اكتملت في عام 2000
الجدير بالذكر ان القائد راينهارد هيدريش قد مات هو الاخر بتسمم الدم بعدما اعدم 157 شخصا" تشيكيا" بنفس تلك الطريقة المريعة يحكي لنا الحادث عن لسانة راينهارد هيدريش يقول لقد اقتدنا الرجال الى قرية واعدمناهم تباعا" والنساء اخذن من المنازل واقتيدن الى مدارس حيث جمعنا 203 امراة 105 طفل نقلوا من هناك الى مدرسة اخرى ويذكر بان هناك 4 نساء حوامل قد تم اجهاضهن قسرا" تم اعدام النساء جميعا في الغابة ومن ثم نقلنا الاطفال الى مستودعات ومخازن لمدة اسبوع توفي البعض منهم بسبب نقص الغذاء والرعايةالصحية والنظافة حيث كانوا يعيشون في حضائر الخنازير ومن 105 طفل من يديس، عاد 17 فقط وعاشوا وهم يروون هذه الحادثة اللاأنسانية

نصب جبل الصخرة في جورجيا

(جبل الصخرة ) عبارة عن منتزه يقع في ولاية جورجيا الأمريكية يضم أكبر صخرة جرانيت في العالم حيث أن محيطها 5 أميال وإرتفاعها 1683 قدمآ (513 مترآ) 
فوق مستوى سطح البحر و 825 قدمآ (251 مترآ) فوق الهضبة المحيطة ويتم الصعود إليها بالتلفريك ،،،وأهم مايميزها وجود النحت التذكاري (Memorial Carving) في الصخرة الذي يصور ثلاثة من قادة الكونفدرالية من الحرب الأهلية وهم كلآ من : الرئيس جيفرسون ديفيس والجنرالين : روبرت لي وتوماس ستونوول جاكسون Jefferson Davis, Robert E. Lee and Thomas J. Jackson





كما يوجد في المنتزه أيضا المدينة الأثرية لأتلانتا القديمة ومدينة ألعاب وقطار يجوب حدود المنتزه ..
النصب عبارة عن تخليد للحرب الاهلية العنصرية ضد السود بعد ازالة علم الكونفدرالية وهذا العمل الفني الكبير هو مجهول الهوية تتضارب بعض المصادر من معرفة اسم الفنان الذي واضب على ترك بصمة لهذا الحدث في قلب الجبل عام 1920 بعدها اصبح الجبل موقع للجذب والسياحة 
الجبل هو عبارة عن بروز صخري ضخم من الجرانيت على بعد 825 أقدام،اقيم عليه النصب اعلاه و الذي يحتوي على نحت نافر لأبطال الكونفدرالية جيفرسون ديفيس، روبرت لي وتوماس "ستونوول" جاكسون" الوجه الشمالي" حيث تركت هذه الصخرة شاخصة على الجبل كمتحف للكونفدرالية الا ان السود يمقتونها ويعبترونها رمزا من رموز العنصرية ويطالبون باغلاقها لان هناك صعوبة في طمس هذا النحب البارز من الجبل 
والجدير بالاشارة والذكر ان ستون ماونت بالإنجليزية: Stone Mountain, Georgia)
هي مدينة تقع في مقاطعة ديكالب بولاية جورجيا في الولايات المتحدة. تبلغ مساحة هذه المدينة 4.2 (كم²)، وترتفع عن سطح البحر 318 م، بلغ عدد سكانها 5802 نسمة في عام 2010 حسب إحصاء مكتب تعداد الولايات المتحدة

الاثنين، يونيو 01، 2015

لوحة ربين "ايفان الرهيب "

موضوع اللوحة التي رسمها الفنان الروسي إيليا ريبين: 
Ivan the terrible killing his son ..

اللوحة مذهلة بجميع تفاصيلها: السجاد العثماني بتجعداته وطياته التي تبين هول الحدث.. الطاولة المقلوبة تعبيرا عن ماحصل من شد وجذب ومجابهة ..الحشايا المرمية، جراب السيف اللامع، الدم المنبجس من رأس الابن..
و لكن الأكثر إتقانا من كل هذا: هو النظرة المرتسمة في وجه الأب..وذاك التساؤل المندهش ماذا فعلت بنفسي وبابني وعائلتي ؟!!! 
يُروى عن إيفان الرهيب، كان أكثر قياصرة روسيا رعباً، أنه رأى زوجة ابنه ذات يوم في لباس متكشف، فما كان منه إلا أن ضربها مما أدى بها إلى إسقاط جنينها. ثار الأبن على وحشية أبيه، و أخذ يجادله، فضربه إيفان الرهيب فوق وجهه، بالصولجان الذي كان يمسك به، فسقط الأول صريعاً. ما إن زالت ثورة الغضب حتى أحسّ إيفان بفداحة العمل الذي اقترفه ..

دوشامب عار ينزل السلم

إذا لم تكن الصورة صادمة ، فلا تستحق شيء . لقد أجبرت نفسي على أن أناقض ذاتي لكي أتفادى الاستسلام لذوقي الخاص 
مارسيل دوشامب 



 
أشهر أعمال الفنان السريالي دوشامب لوحته ذات المنحى التكعيبي "عار ينزل السلم" والتي أراد عرضها عام 1912 في صالون المستقلين بباريس لكنها رُفضت برر المنظمين رفضهم للوحة كونها لا تعكس ما ينبغي أن يكون عليه العري ! فالعاري لا ينزل السلم فقد اعتادوا مشاهدته جالسًا أو مستلقيًا على كنبة .اعتزل دوشامب الفن وبات يصرح أن الفن التشكيلي عديم القيمة والرسم الزيتي صار يشبه قبعة قديمة وأنه يفضل استعمال لوحات رمبرانت كخشبة لكي الملابس هجر دوشامب الفن إلى الشطرنج وحين مات في 1968 نُشر خبر وفاته بزاوية من جريدة «الفيغارو» الفرنسية بينما نشرته «نيويورك تايمز» في صفحتها الأولى أطلق الكاتب الفرنسي "أندريه برتون" لقب «منارة السريالية» على دوشامب ووصفه بأنه «الرجل الأكثر ذكاءً في القرن العشرين» إذا لم تكن الصورة صادمة ، فلا تستحق شيء .
كان دوشامب فنانًا من طراز خاص 
عار ينزل السلم / 1912 هنا مارسيل دوشامب اللوحة والتصور

السبت، أبريل 11، 2015

مارك شاغال لوحة يهود الخزر

يهود الخزر ...مارك شاغال 



 رسّام روسيّ يهودي عاش بالقرن العشرين عايش الفقر الروسيّ وظروف الحياة هناك 
قبل ذهابه الى باريس حيث اشتهر هناك وبرز هناك هو أبرع من رسم الخيال الفانتازيّ كان يحيك بالطيوف الخياليّة خطوط ألوانيّة باللوحات اعتمد على نسج الذكريات ورسمها بلوحاته بكلّ احساس مرهف وشفافيّة روح تحنّ لأيامها
كان يرى الأشياء بعين خياليّة تولج الحاظر بالماضي
أعطى مارك شاغال شخصياته الكثيرَ من روحه وشغفه واضطرابه. عبّر عن السوريالي واللامعقول وبقيت مواضيعه خالدةً حتى بعد رمي أعماله في النار التي لاحقته دائماً.
الكثير من الادباء جعل من لوحات شاغال مغلف لكتابة ومنهم غلاف سيرة حسين البرغوثي الضوء الأزرق وقد جعل غلافها الحلم الازرق لشاغال .رسم مارك شاغال ابناء طائفته في لوحة اسمها "يهود الخزر "وقد ظهرت اللوحة كغلاف خلفي لكتاب "السبط الثالث عشر .. امبراطورية الخزر وتراثها" تأليف "آرثر كوستلر" The Thirteenth  TribeThe Khazar Empire and its heritageArthur Koestler حيث يورد في كتابة تاريخ اليهود الاشكناز وكيف ان بلاد الخزر كانت "تحتل موقعاً استراتيجياً ما بين البحر الأسود وبحر قزوين حيث تمحورت بؤرة الصراع بين دول الشرق العظمى آنذاك. كما أن بلاد الخزر كانت منطقة عازلة حامية لبيزنطة ضد غزوات قبائل الشمال البربرية. لكن الأهم من كل ما تقدم، من وجهة نظر الدبلوماسية البيزنطية ومن وجهة نظر التأريخ الأوروبي، أن الجيوش الخزرية استطاعت وقف المد العربي في أشد مراحله الاولى خطراً، بالتالي حالت دون ولوج الفاتحين المسلمين أوروبا الشرقية"

ومايظهر في اللوحة هو حاخام يهودي من ارض الخزر بين اصفهان وروسيا وجزيرة القرم يلف حول ذراعه الايسر حزام يلفه  اليهودي اثناء الصلاة والدعاء   يلف ثمان مرات على الذراع الايسر ويسمى ""الفلاّكتريس" اما مايسمى "التفلين: فيضعونة على الجباه وأصل الكلمة تفيلاّ ومعناها بالعبرية العصابة وهو عبارة عن تميمة سحرية مكونة من صندوقين من جلد  ماعز  مذبوح, يُشدّ أحدهما تحت الإبط الأيمن ويربط بحزام ممّا يلي مستوى القلب, والثّاني يُربط على الجبهة, ويُلبس عند الصّلاة ما عدا يوم السّبت وأيّام الأعياد مع اختلاف بين طوائفهم في ذلك, وهو بمثابة التّميمة يحتويان على نصوص من التّوراة, فالأوّل يحتوي على أوّل عشرة أعداد من الإصحاح الثّالث عشر من سفر التّثنية والثّاني أعداد من سفر الخروج الإصحاح السّادس والحادي عشر, مكتوبين بالعبرية أو السّريانية القديمة بحبر أسود نظيف, وهو للرّجال فمين بلغ الثّلاثين دون النّساء. وشدّ بعض طوائفهم فأوجبها للنّساء وهذه صورة 

 

 

لاحقت المصائب شاغال منذ ولادته، فما إن أبصر النور حتى اندلع حريق في المدينة، فقد استقبل العالم المولود الجديد بالنار، حيث احترقت المحلات التجارية في ساحة السوق، وانتقل اللهب إلى المباني المجاورة، وبعد ساعة احترق الحي بأكمله، وخلال محاولة انقاذ ابنها كانت الأم تحمل مهده في الشوارع بحثاً عن مكان آمن، ويقول شاغال في هذا الصدد: "ربما، لهذا السبب أشعر دائماً بالاضطراب والرغبة في التنقل". ولانه يهودي بقي مطارد من قبل النازية وقد القيت اعماله في النار لانها منحطة 

ماكس ارنست لوحة المراة والشيخ والزهرة



woman old man and flower
ماكس ارنست مجموعة فنون في شخص واحد فهو شاعر رسام نحات مصور فنان محدّث مفرط، متكيّف مع إنسانيته. حياته الفنية يميزها كماً هائلاً من التجارب والأبحاث، هو الذي دَرَسَ علم النفس والفلسفة في جامعة بون 1909-1914 وكان مسحوراً في الوقت نفسه بعوالم الفن التشكيلي الذي دَرَسَ أصوله بشكل شخصي متخذاً من الفنان الهولندي فان غوغ ملهماً وأستاذاً له… لقّبه النقاد بالفنان الفيلسوف المتشرد، فحياته كانت عبارة عن رحلات فنية طويلة. وكان على الدوام خارجاً من أو داخلاً في تجربة جديدة باحثاً عن التغيير والتعبير بشكل أكثر تطوراً اهتم بقضايا الانسان والحرب وتحولات النفس البشرية والوجود ايرنست كأصدقائه من الشعراء وضع أيضا المرأة وتحولاتها في مركز اهتماماته فهي الوسيطة للأحلام.
لوحته “المرأة والشيخ والزهرة” والتي نرى فيها الأفق يعبر خيال أمرأة ما هي من نفس مجموعة لوحته “البستانية الجميلة” التي ضاعت خلال الحرب ولوحة “عودة البستانية الجميلة” (1967) التي تمثل ازدواجا رائعا للذاكرة. وانعكاسا ذاتيا على ارواح تمتزج بالحياة وتهب الحياة لكنها تجهل قيمة وماهية الحياة
عندما تنظر جانبيا لعين ماكس ايرنست الزرقاء فكأنك تنظر لعين طائر؛ فنظراته نصف شفافة وثاقبة وتعكس لك ما هو أبعد مما تعكسه المرآة.هذه النظرات تمثل عكس ما تمثله نظرات المصور مان ريه الكئيب والمنكمش على ذاته فإن رأيته يحدق في موضوعه التصويري فيبدو لك إنك ترى قزحية عينه ومنها ترى دماغه كجهاز يعمل.
يعتبر ماكس ايرنست رساما أديبا فهو يعلق على لوحاته ويعنونها بالفرنسية وتكون جمله في الغالب غامضة بقدر ما هي ساخرة. أين يمكن تصنيفه بين الرسامين؟ لوحاته تتطلب انتباه أكثر من لوحات بيكاسو إلا إنها أقل حسية منها. وهو أكثر خيالا من ميرو واقل انفتاحا خارج الذات من دالي كما إنه أفضل كرسام من ماغريت أو شيريكو. إضافة إلى ذلك فهو متمكن جدا في تقنية الكولاج (اللصق) حيث يستخدمها في سرد القصص كما هو الحال في لوحته “المراة ذات المائة رأس” والتي استخدم فيها 147 لوحة. وهو نفسه الذي وقع اللوحة المشهورة لمجموعة السرياليين والمسماة ب“موعد الأصدقاء” (1922).
ومع ذلك فإن لوحاته تبقى عصيه على الفهم أكثر من غيرها وكثيرة الغموض ولا تبعث أبدا على الاطمئنان. فهي تبقى كالوجه الآخر الخفي من القمر، ذلك الكوكب الذي يضيء المشاهد الليلية حيث يسيطر على لوحات ماكس ايرنست الهاجس الكئيب لإنسان لديه تساؤلات عديدة إلا إنه لا يدعي معرفة الأجوبة على تلك الألغاز الرمزية


oman, Old Man and Flower
/Femme, viellard et fleur. 1923-24. Oil on canvas. 96.5 x 130.2 cm. The Museum of Modern Arts, New York, NY, USA.

الجمعة، ديسمبر 05، 2014

مثلثات كاندنسكي



أن المثلث يثير إنفعالا حيا وذلك لأنه بحد ذاته كائن حي. والفنان يغتاله إذا استخدمه بصورة ميكانيكية وبدون وازع داخلي. أنه نفس الفنان الذي يذبح الديك أيضا.وهكذا إذا لم يكف اللون المفروز لخلق عمل فني، كذلك لا يكفي المثلث (المفروز). أنه قانون (التضاد) ثانية.على أي حال ينبغي أن لا ننسى قوة هذا المثلث المتواضع. فمعلوم إننا حين نرسم مثلثا على ورقة بيضاء ولو بخطوط رفيعة جدا، فأن البياض داخله يتبدل بالمقارنة مع البياض خارجه، كلاهما يصبحان لونين مختلفين، وبدون استخدام أي أصباغ. أن ذلك هو حقيقة فيزيائية ونفسية في الوقت نفسه. ومع تغير اللون يتغير (النطق الداخلي). وإذا أضفتم إلى هذا المثلث لونا آخر فقدر الانفعالات يزداد بتصاعد عددي. أنها ليس إضافة بل زيادة.
لونت مرة لوحة مكونة من مثلث واحد أحمر اللون محاط بشكل بسيط تماما، بألوان غير مرسومة "الحدود" (أي بدون أشكال ملونة) ولاحظت مرارا أن هذا التكوين (الفقير) يثير لدى المتفرج الذي لا يفهم التصوير الطلائعي انفعالات حية ومعقدة. ولم تكفني بلا شك، دائما، مثل هذه الوسائط المحدودة للغاية، فأنا أحب التكوينات المعقدة و (الغنية) وبالطبع يعتمد ذلك على هدف هذا التكوين أو ذاك.

كاندنسكي

السبت، نوفمبر 01، 2014

ماتييس او بهجة الحياة

 
في 1905 اشترك طائفة من شباب الفنانين في معرض الخريف الذي أقيم ذلك العام  في باريس. وكان أول ما يلفت النظر في لوحاتهم أن ألوانها جميعا بلا استثناء قد اتسمت على غير المعهود بقدر بالغ من العنف والضراوة، فرأى منظمو المعرض أن يخصصوا لهذه اللوحات الجريئة قاعة بمفردها وطاف ناقد مشهور بأرجاء المعرض، وبينما هو يتأمل أعمال هؤلاء الشبان، لمح وسط القاعة المخصصة لها تمثالا يرجع إلى القرن 15 فصاح "دوناتللو وسط الوحوش!".. ومنذ ذلك الحين أصبح لقب "الحوشيين" أو "الضواري" علما على هذه الجماعة

درس البيانو (1916) متحف الفن الحديث. نيويورك
وكان من بين هؤلاء الشبان ماركيه ودوفي وفان دونجن وفلامنك. أما زعيمهم فكان هنري ماتيس الذي لم يكن يفكر حتى سن العشرين في أنه سيكون له شأن بالفن. كان قد درس القانون واشتغل بمكتب أحد المحامين، ولكن تصادف أن ألم به مرض ألزمه الفراش عدة أسابيع، وحدث أن نصحه أحد الأصدقاء أن يتسلى بالرسم بالألوان خلال فترة النقاهة، فلم يلبث أن ولع بالألوان ولعا شديدا، وشعر كأنه ولد ولادة جديدة فانكب على التصوير بعد شفائه، وقد آمن بأن الفن - لا القانون - هو ما خلق له

وفي عام 1892، وكان إذ ذاك في الثالثة والعشرين، توجه إلى باريس، رغم إرادة أبيه، لدراسة الفن. وكان من حسن حظه أن وقع على أستاذ موهوب يدرك أن وظيفته هي مساعدة الطالب على تكوين شخصيته المستقلة، لا اخضاعه لشخصيته هو، ويدرك فوق ذلك أن ارتياد المتاحف، وتأمل آثار أئمة الفن خير للطالب ألف مرة من الاستماع إلى وصفات محفوظة يلقنها له أستاذ أكاديمي

وهكذا أخذ ماتيس - تبعا لنصيحة أستاذه جوستاف موروه - يمضي الساعات الطوال في متحف اللوفر، يدرس روائع رافايللو، وبوسان، ورويسدايل، وشاردان، ناقلا عنها - وبخاصة من آثار شاردان - أكثر من عشرين لوحة

والواقع أن من يسمون بالفنانين الثوريين في العصر الحديث، هم بوجه عام أشد اهتماما بدراسة التراث وتعمق مكنونه ممن يسمون بالفنانين المحافظين، أي أولئك الذين غالبا ما يقنعون بالأخذ عن أساتذتهم المباشرين في أكاديمية الفنون

ولم تمض خمس سنوات على ماتيس في باريس، حتى أخذ يتنبه إلى التيارات الجديدة في ميدان فن التصوير، وكان الفن الأوربي، - بعد أكثر من ثلاث قرون عاش خلالها معتمدا إلى حد كبير على تقاليد عصر النهضة - قد بلغ في أواخر القرن التاسع عشر مرحلة 
أصبح فيها كنه الفن نفسه موضع سؤال

وأول ما كان يثور حوله السؤال هو هذه التقاليد بالذات التي أرساها الفنانون الطليان في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر. وكان مما ساعد الفنانين الأوروبيين على إعادة النظر في هذه التقاليد، اكتشافهم للفن الياباني، ثم للفن الفارسي، ثم للفن المصري القديم، وكلها فنون تختلف تقاليدها اختلافا جوهريا عن تقاليد الفن الاغريقي الروماني، ثم تقاليد عصر النهضة التي درج هؤلاء الفنانون الاوربيون خلال القرون الماضية على اعتبارها التقاليد الوحيدة لكل فن جدير بهذا الاسم

ولتوضيح هذا الأمر، ينبغي لنا أن نذكر أن العمل الفني - بحكم طبيعته - ينطوي على وظيفة مزدوجة. فالفنان يرد - من ناحية أن يعبر عن احساساته التي تأتيه من العالم الخارجي، وهو لذلك ينزع، اذا كان مصورا مثلا، إلى تحويل لوحته المسطحه إلى عالم ثلاثي الأبعاد، شبيه بهذا العالم الذي نعيش ونتحرك فيه. ولكن الفنان - من الناحية الأخرى - يريد أن يخلق فنا، أي أنه يريد أن ينسق الخطوط والألوان على السطح المستطيل أو المربع أو المستدير الذي يرسم عليه، على نحو يجعل من لوحته شيئا له تلك الصفة النوعية الخاصة التي نسميها الفن

الظل الأخضر (1905) متحف كوبنهاجن
أوداليسك (1935) متحف بالتيمور الولايات المتحدة
دراسة
والقوانين التي بمقتضاها يصبح لمجموعة من الخطوط والالوان الموزعة على سطح معين صفة الفن، مثل القوانين التي يصبح بمقتضاها لمجموعة من الكلمات صفة الشعر، أو تلك التي تجمع لمجموعة من النغمات صفة السمفونية أو السوناتة، ليست هي من نوع القوانين الفيزيائية أو الكيميائية أو البيولوجية أو الجيولوجية التي تسري على العالم الخارجي بجماداته وكائناته الحية
فالعمل الفني، من حيث هو فن، كيان قائم بنفسه. إنه في ذاته وحدة عضوية لها منطقها الخاص ولغتها المستقلة. وفي عصور الانحدار الفني - كما حدث في أواخر العصر الاغريقي الرماني، وخلال القرون الثلاثة الماضية عند معظم الفنانين الاوربيين - نلاحظ أن انشغال الفنان باللعبة الصبيانية التي تتمثل في محاولة محاكاة مظاهر الطبيعة، غالبا ما تلهيه عن الاهتمام بالايقاعات والموازين التي تجعل من اللوحة المصورة عملا فنيا. وذلك على خلاف ما نراه في الفن المصري القديم مثلا، والفن الفارسي، والفن الياباني، والفن الصيني، والفن البيزنطي، من اهتمام الفنان اهتماما اساسيا بلغة الفن وايقاعاته واساليبه الخاصة في التعبير عن ذات الانسان

وجه وإناء عام (1937) مجموعة الآنسة ليلى بونس
وكان مما عنى به الفنان الاوربي، وبخاصة منذ كارافاجيو، في محاولته الاقتراب أكثر فأكثر من مظاهر الطبيعة، ما سماه الطليان "بالكياروسكورو"، أي تصوير الأضواء والظلال الواقعة على الأجسام، على نحو ما يرى في الطبيعة، من اجل إبراز كتلتها

غير أن الظلال، بحدودها المبهمة وألوانها العكرة، قد جعلت من مهمة الفنان في تنسيق الخطوط والألوان على سطح لوحته مشكلة عويصة. فلا غرو أن عمل هذا الكياروسكورو - إلى جانب عوامل أخرى - على طمس معالم الفن في الكثير من انتاج المصورين الاوربيين، وبخاصة خلاص القرنين السابع عشر والثامن عشر

فلما جاء القرن التاسع عشر، وأتيح لبعض الفنانين أن يطلعوا على بعض الأمثلة من الفن الياباني، بهرهم أن يروا فنا يفتن العين بجماله، وقد استغنى أصحابه عن التظليل كلية، معتمدين في فنهم على الالوان الناصعة الصافية والخطوط الواضحة المنسابة في سلاسة ولطف ايقاع والموحية مع ذلك بحركة الاجسام والتفافاتها وكتلتها

وكان مانيه (1832-1883) أول فنان أوربي في العصر الحديث ثار على مبدأ "الكياروسكورو". فقد جعل الضوء الساقط على الاجسام التي يصورها آتيا إليها من الأمام، وبذلك انكمشت الظلال إلى أطراف الاشكال، فعبر عنها بخطوط قاتمة تحدد هذه الاشكال

وهكذا تحولت اللوحة إلى مساحات شبه مسطحة من الالوان الواضحة الحدود، عنى الفنان بتنسيق أوضاعها وحبكة تكوينها على السطح المستطيل

متعة الحياة (1907) متحف الفن الحديث. باريس
تفصيل من لوحة الرقص 1933
ورق مقصوص (1952) متحف الفن الحديث. باريس
طبيعة صامتة (1912) مجموعة بيكاسو
القبعة ذات الريش الأبيض (1919) كلية الفنون مينيابوليس - أمريكا
وبعد مانيه جاء الانطباعيون فحرروا لوحاتهم من الظلال كلية، واهتموا بنضرة الالوان وزهوتها، ولكنهم لم يعنوا كثيرا بتصميم اللوحة. ولهذا السبب خرج عليهم سيزان، إذ هو قد أراد أن يستخدم الألوان المجردة من الظلال، على نحو ما وصل اليه الانطباعيون، أداة بناء وتشييد، لا مجرد أداة تسجيل للاحساسات العابرة التي تقع على شبكة العين، وذلك ليجعل من العمل الفني شيئا متين القوام راسخ الاوطاد، كفن المتاحف على حد تعبيره

ومع ظهور جوجان، وفان جوخ ازداد تحرر الفن من ربقة التشبه بمظاهر الطبيعة، إذ جعل الاول منه أداة للتعبير الرمزي عن مشاعره، على حين جعل منه الثاني أداة تعبير عن عواطفه العارمة المتأججة
وهكذا اتضح من جديد أن العمل الفني ليس صورة من الطبيعة، ولا نافذة تطل عليها، وانما هو خلق جديد، يرادف الطبيعة ويوازيها، ولكن له مع ذلك كيانه المستقل

وعند هذه المرحلة بالذات من تطور الفن الاوربي، ظهر ماتيس. وقد بدأ بدراسة الانطباعيين، ثم التفت إلى سيزان، فبلغ من اعجابه بهذا الفنان العبقري أنه جشم نفسه عبء شراء أحدى لوحاته بثمن فادح بالقياس إلى موارده إذ ذاك، وأصر على الاحتفاظ بها طوال الوقت، بالرغم مما عاناه أحيانا من ضنك، فلم يفارقها الى عام 1936 عندما أهداها إلى أحد المتاحف، وقد كتب في رسالة أرسلها في هذه المناسبة يقول: "إن هذه اللوحة كانت سندا لي في اللحظات العصيبة من حياتي الفنية، أمدني بالثقة ووهبني الايمان وحثني على الصبر ومواصلة المسير.."

وفي عام 1901 أقيم معرض كبير في باريس لأعمال فان جوخ، ثم أقيم معرض آخر كبير لاعمال جوجان عقب وفاته ببضعة أشهر عام 1903. وكان ماتيس هو الذي كلف بتنظيم المعرضين، فأتيحت له بذلك الفرصة لدراسة أعمال هذين الفنانين العظيمين عن كثب

وفي عام 1903 أقيم معرض للفن الاسلامي في ميونخ، فهرع ماتيس إلى هذه المدينة لمشاهدته وتأمل آثاره، ومن كل هذه العوامل العديدة التي أثرت في تفكير ماتيس، أي دراسة آثار الأئمة في متحف اللوفر، ثم رسم المئات من الاسكتشات السريعة في الشوارع والمقاهي كما نصحه أستاذه، ثم دراسة الانطباعيين والفن الياباني، ثم سيزان وفان جوخ وجوجان والفن الاسلامي، نقول انه من كل هذه العوامل المختلفة خرجت تلك الحركة الفنية الجديدة التي تزعمها ماتيس، وأطلق عليها اسم "الحوشية

ومن الغريب أن هذا الذي أصبح يعد من "الضواري"، كان في حقيقته لا ينطوي على ذرة من الاندفاع أو التهور بل كان كثير التأمل لأعمال الفنانين السابقين، شديد الحدث في تجاربه وبحوثه، ولا يقرر أمرا إلا بعد روية وتدبر
وقد أراد ماتيس بألوانه المضطرمة في تلك المرحلة الأولى من حياته الفنية، أن يعبر بها عن العاطفة الجياشة في طلاقة ودون أي تقيد بالمواصفات المعهودة، ولكننا نلاحظ حتى في هذه الأعمال الاولى أنه لم ينس شيئا مما تعلمه من أئمة الفن فيما يتعلق بهندسة اللوحة وحبكة تصميمها

على أن "الحوشية" - من حيث هي حركة - لم تدم أكثر من بضعة أعوام. فقد تطور أفراد هذه الجماعة بعد ذلك، وسار كل منهم في طريقه الخاص

وفيما يتعلق بماتيس بالذات، فقد نما فنه بسرعة، ومال إلى مزيد من الاتزان والرصانة، فخفت حدة ألوانه، ولكنه حرص دائما على المحافظة على بهائها وثرائها ونورانيتها، وبلغ في ذلك حدا جعل بعض النقاد يعتبرونه أعظم فنان ملون في العصر الحديث
الاسبانيولية (1911) مجموعة رودولفذ ستيشن. سويسرا
وتتضح موهبة ماتيس اللونية في قدرته على التأليف بين ألوان تبدو في الظاهر متعارضة متنافرة، فاذا بها تصبح بين يديه آية في الانسجام، على أن موهبة هذا الفنان في تنسيق الخطوط لا تقل البتة عن موهبته في تنسيق الالوان. وتتميز خطوطه بايقاعها اللطيف الذي يذكرنا بأجمل آيات الفن الاسلامي. وهو ايقاع يتسم في آن واحد بالامتداد والمرونة بحيث يسمح "للجملة التشكيلية" - على مثال الجملة الموسيقية - بالكثير من الاستطرادات والتفريعات، دون أن تفقد طابعها أو تضل طريقها
وقد تبدو أعمال هذا الفنان، للعين غيرالمدربة، مجرد أشكال زخرفية. غير أن ما ينشده ماتيس فوق كل شيء - على حد قوله - هو التعبير عن أحاسيسه ازاء صور الحياة
غير أن التعبير عنده ليس هو تصوير العاطفة المرتسمة على وجه، أو تلك التي تنم عليها حركة عنيفة، وإنما هو ينبع من صميم بناء اللوحة، وألوانها، وأوضاع الأشخاص والأشياء، والفراغات التي تحيط بهذه الاشكال، والنسب التي تربط بينها .. فكل شيء في اللوحة له دور في هذا التعبير
ولم يعد ماتيس يقنع بعد نضجه، بما كان يقنع به أيام مرحلته الحوشية الأولى، أي بالتعبير عن العاطفة العابرة. فقد أدرك أن التعبير الصارخ ليس هو التعبير القوي. ولذلك فهو يبدأ لوحته محاولا تسجيل احساسه المباشر، ولكنه يعود إليها بعد ذلك ليدعمها باحساساته العميقة، حتى تصبح تعبيرا كاملا عن ذاته ووجدانه
وهو في هذا التعبير لا يلجأ إلى المحاكاة الفجة للطبيعة، وإنما يعمد إلى أساليب التورية والمجاز، ليوحي إلينا بأحاسيسه ايحاء لطيفا
وما هو بحاجة إلى أكثر من خطوطه الايقاعية التي تنساب في يسر وسلاسة، ليترجم لنا عن احساسه بالتفافات الاجسام وحركتها وكتلتها. والالوان في لوحاته - بالرغم من زهوتها ونضارتها - يحتل كل منها مكانه الصحيح في فضاء اللوحة، دون ما حاجة إلى طمس أو تعكير. فاذا لجأ أحيانا إلى ما يوحي بالظل في بعض أجزاء لوحاته، كان ذلك لغاية فنية يقتضيها تصميم اللوحة، ولم يكن البتة بقصد محاكاة الطبيعة
وقد كان ماتيس مثالا نادرا من الانسان الذي يعيش على وفاق كامل مع نفس ومع الوسط المحيط. ولذلك لا نحس في آثاره، التي تعد بالمئات، بأي نوع من التوتر، ولا أي صراع درامي. ففنه كله عذب المذاق، وكله صفاء وترف وغبطة
ولقد عاش هذا الفنان حياة خصبة مديدة حتى أشرف على الخامسة والثمانين، وتوفي عام 1954 متوج الرأس بهالة المجد وأكاليل الغار