تابعي الاثر

الثلاثاء، يوليو 26، 2011

Chopin

Eugène Ferdinand Victor Delacroix 


فردريك شوپان، بريشة دلاكروا (1810-1849)
 
ولد فريدريك شوبان في 22 فبراير عام 1810 بالقرب من مدينة وارسو لأب فرنسي هو نيقولا , وكان مغترباً في بولونيا , ويعتاش بإعطاء دروس في اللغة الفرنسية . ولأم بولونية تعمل عند سيدة بولونية تحمل لقب كونتيسة , ولما رأى الوالدان أن لدى ابنهما ميلاً جارفاً للموسيقى أوكلا به أخته الكبرى لودفيكا لتعلمه العزف على آلة البيانو , ولم يلبث الابن الموهوب أن تفوق في العزف , على أخته خلال فترة وجيزة , مما اضطر والديه إلى أن يبحثا له عن مدرس , وكان أن وقع الاختيار على الموسيقار البولوني جوزيف ألسنر (1769-1854 ) ولم يكن هذا مدرساً لشوبان فحسب , بل مرشداً له في التاليف الموسيقي أيضاً .
ولم يلبث الولد الموهوب أن أصبح , وبفضل أستاذه , حديث الناس في وارسو , لان موهبته ظهرت في العزف على البيانو , وكانت هذه الآلة يومها تتصدر صالونات بيوت الطبقات الارستقراطية ليس في بولونيا وحدها , وإنما في جميع أقطار أوروبا , وبها أخذت شهرة شوبان تطير وتسبقه من بلد إلى بلد , بعد أن أظهر إلماما واسعا في مؤلفات من سبقوه : باخ , وهيندل, وموتسارت, وبيتهوفن وآخرين .
*شوبان عبقرية فذة *

إن عبقرية شوبان فذة وقد ظهرت علائمها عليه من سن مبكرة , فألف , وهو في الثامنة من عمره , مقطوعة موسيقية راقصة بعنوان بولونيز – وهي رقصة بولونية قومية – على أن مهارته في العزف المدروس والمرتجل فاقت كل تصوّر, وبسبب هذه المهارة العجيبة أخذت دوائر حفلاته الموسيقية تتسع لتشمل سائر مقاطعات بولونيا , ودولاً أوروبية مجاورة ذات حواضر عريقة في التراث الموسيقي الكلاسيكي مثل بون , وميونيخ , وفيينا , وباريس التي قدم إليها سنة 1830 , وهو في العشرين من عمره , وفيها بزغ نجمه فأضاء صالونات قصور الملوك والأمراء والنبلاء الذين كانوا بعطائهم السخي دعماً للفنانين وعوناً لهم , وهنا تألق شوبان كعازف بيانو مرتجل ماهر ( فيرتؤوز ) وكمؤلف مبدع , ومدرس موسيقى مرموق لأبناء وبنات البيوت الارستقراطية .
* في حلقات الأدب *
ولما كان معظم الموسيقيين في أوروبا يعتبرون من رجال الفكر والأدب والرؤى الفلسفية , فإن شوبان وهو الذي اتسم بهذه الصفات أيضاً كان قد نزل ضيفا مبجّلا في منتديات الثقافة في باريس .
وفي سنة 1838 تعرف إلى البارونة الفرنسية دوديفانت , وهي كاتبة وروائية متحررة , وقد اشتهرت باسم جورج صاند ( 1804- 1876) وهو اسم رجّالي مستعار , ونمت بين شوبان وجورج صاند علاقة تطورت إلى غرام عاصف , استمرت شائعاته وحكاياته إلى قبيل وفاة شوبان بسنتين , وفي المرحلة الباريسية من حياة شوبان نراه يتعرف على الموسيقي الهنغاري الكبير فرانز ليسْت (1811- 1886) والموسيقي الإيطالي الشهير بلليني (1801-1835) .
* شوبان هدَّه المرض*
وشوبان عاش غريباً عن وطنه , وكان في لحظات خلوده إلى نفسه دائم الحنين إلى بولونيا والبكاء عليها , وكانت ممزقة ومحتلة ومستغلة , من قبل روسيا القيصرية , الأمر الذي زاد ألم شوبان آلاما , وفي سنة 1848 وبعد رحلة فنية بدعوة أحدهم إياه إلى انجلترا , عاد إلى باريس وهو يئن تحت وطأة السعال الشديد جراء داء السل , حتى وافته المنية عليلا في 17 تشرين الأول سنة 1849 .
* شوبان والحياة الجديدة *
عبقرية شوبان فيما تركه من نتاج موسيقي عظيم , وهو بلا شكّ مساهمة كبرى في الميراث الموسيقي الإنساني العالمي .
إن شوبان يحيا مجددًا في كل عصر , ومع كل جيل , وستظل مؤلفاته ميدان سبق , تكتشف بها مواهب عظماء العزف على آلة البيانو في العالم , وهؤلاء بدورهم يتعرّفون من خلال موسيقى شوبان على شاعرية ولا أجمل !! لان شوبان – كما سبقت الإشارة – كان في موسيقاه شاعرا , وفي شاعريته حزن منتصر , وانتصار حزين , وقد انقاد من خلال رؤياه الى شعور وجداني غامض , وصوفي غائم هائم في حب وطنه بولونيا , وإنه لذو رسالة عالمية ورؤى يرى الناس في مرآتها أمجاد بولونيا على مر العصور, وإنه في غنائيته وأحاسيس ذاته , ووجدانيته غير المستقرة على حال مؤلف مبدع جعله إبداعه الموسيقي صنوًا بالروح لشعراء رومانسيين , مثل بايرون , وكيتس , ووردزوورث , وشيللي وشيللر وهايني وغيرهم كثيرين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق