تابعي الاثر

السبت، يونيو 09، 2012

غويـــا وسوداوية التشكيل

اللوحات السوداء


اللوحات السوداء هي مجموعة من أكثر اللوحات قتامة وكآبة في تاريخ الفن، رسمها جويا وهو في عزلة اختيارية بالقرب من نهاية حياته.


وفرانسيسكو دي جويا (1746 – 1828) هو فنان أسباني، يعتبر آخر أساتذة المدرسة القديمة في الرسم، وأول المحدّثين أيضا، وقد كانت أعماله مصدر إلهام لكثير من فناني الأجيال التالية مثل بيكاسو ومانيه.

وعندما اجتاحت القوات الفرنسية أسبانيا واحتلتها أثناء الحروب النابليونية، تأثر جويا كثيرا وانهمك في رسم مجموعة من اللوحات التي تعرف الآن بلوحات كوارث الحرب، وهي مجموعة من حوالي ثمانين لوحة تصور بشاعة الحرب وقسوتها.
كان ذلك أثناء الحرب التي تعرف بحرب شبه الجزيرة Peninsular War، والتي استمرت من 1808 وحتى 1814، واشتعلت الحرب في الشوارع بين الغزاة وقوات المقاومة، وارتكب الغزاة العديد من المذابح الدموية، وصارت رائحة الموت تزكم الأنوف في كل مكان.
رأى جويا أسبانيا الجميلة تتهاوى وتصير إلى خراب، وقد جعله هذا يميل إلى التشاؤم والسوداوية، وأصبح حزينا وكئيبا جدا.
عام 1819، وفي سن الثانية والسبعين، انتقل جويا إلى منزل خارج مدريد لينعزل فيه وحيدا، وكان جويا قد أصبح أصم وعصبيا جدا، وقد زادت الحرب التي مرّت بها أسبانيا من حالته النفسية سوءا، حيث رأى فيها الخوف والذعر والقلق والأرق وصارت تنتابه نوبات من الهيستيريا. ووحيدا في المنزل مع مخاوفه وصممه، أبدع جويا أربع عشرة لوحة مفزعة أصبحت تعرف الآن باللوحات السوداء.


ربما كانت أبرز هذه اللوحات هي زحل يلتهم ابنه Saturn Devouring His Son، والتي تصوّر الإله الروماني زحل وهو يلتهم ابنه على إثر نبوءة تقول أن أحد أبناءه سيهزمه. أبدع جويا في تصوير وحشية الحدث، وجعله على خلفية سوداء مقبضة. رأس ابن زحل وأطرافه مخلوعة والدم يغطى مكانها، بينما تبرز عينا زحل إلى الخارج وكأنه أصيب بالجنون، وأصابعه الصلبة تنغرز في لحم ابنه، ولا توجد حركة بجسم الولد مما يوحي بأنه قد مات بالفعل. وتشير هذه اللوحة إلى الاضطرابات الأهلية التي كانت تسود أسبانيا. كانت أسبانيا تأكل أبناءها كما فعل زحل.


لوحة شهيرة أخرى هي لوحة سبت الساحرات Witches' Sabbath، وهي لوحة كئيبة تبدو كنذير شؤم، حيث يشير إلى الاعتقاد القديم بأن يوم السبت كانت تخصصه الساحرات للاجتماع معا بالشيطان الذي يظهر لهم على شكل جدي.


ليست كل اللوحات السوداء تتميز بمحدودية الألوان كالمثالين السابقين، فهناك مثلا لوحة القتال بالهراوات Fight With Clubs، والتي تبيّن براعة جويا في مزج ظلال مختلفة من الأحمر والأزرق. وتظهر اللوحة رجلين يتعاركان بالهراوات في أحد السهول، ولا يبدو أن لأي منهما فرصة للفكاك من الآخر لأن قدمي كل منهما عالقة عميقا في الوحل. يبدو لي الرجلان رقيقي الحال وفي ملابس رثة، بينما المكان مقفر حولهما، فعلام هذا العراك المؤذي عديم الجدوى؟


وهذه اللوحة بعنوان رجل أصم Deaf man، حيث تصور رجلا طاعنا في السن وهناك مخلوق قبيح يبدو كشيطان يصرخ في أذنه. وأغلب الظن أن هذه اللوحة تصور جويا نفسه الذي أصيب بالصمم ولم يعد يسمع شيئا. ولا يبدو على الرجل أنه سمع شيئا بالرغم من صراخ المخلوق الملاصق لأذنه.


وفي لوحة رجل عجوز يأكل Old man eating، والتي رسمها لغرفة الطعام بمنزله، يعبر جويا في اللوحة عن وحدته وانعزاله، حتى أنه لا يجد من يتناول معه الطعام سوى هذا المخلوق ذو الجمجمة الخالية من العينين، والذي يشير إلى الموت الذي ينتظره.

ترى أي عذاب وألم كان يشعر به جويا حتى تخرج لوحاته بهذا الشكل؟ ولأنه يحمل روح الفنان فقد خلد لنا عذابه هذا ليظل ممتدا وخالدا على مدى مئات السنين.

أترككم الآن مع بعض اللوحات السوداء الأخرى.


امرأتان

أزموديا

الأقدار

رجال يقرءون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق