الأحد، يونيو 10، 2012

عطور ادبية خالدة هيرمان هيسه


إنتاجه الأدبي مازال حاضرا وبكل اللغات الحية. نجاح حققه هيسه بفضل أسلوبه الشاعري المتميز ومواضيعه الإنسانية والنفسية العميقة، التي جعلت منه كاتبا كونيا في اللغة الألمانية، إذا كنت تريد أن تعبر عن افتقاد الشيء للقيمة، فإنك تقول: “إن هذا الأمر لن يجعلك تحصل حتى على وعاء للزهور”. وهو تماما التعبير الذي استعملته الأسبوعية الألمانية “دي تسايت” سنة 1962: ” مع هيرمان هيسه لا يمكن للمرء أن يحصل ولو حتى على وعاء للزهور”.


وقد كتبت “دي تسايت” ذلك بعد وفاة هرمان هيسه، في 9 آب/ أغسطس 1962 عن عمر ناهز 85 عاما بعد إصابته بجلطة، لكن يبدو اليوم جليا أن أسبوعية “دي تسايت” كانت مخطئة، فكتب هيسه ما تزال تحتل رفوف المكتبات. أما الطبعات العالمية من أعماله فهي لا تقل عن 125 مليون نسخة. إضافة إلى أن أعمال هيسه تُرجمت إلى حوالي 60 لغة.

.

وقد كان واضحا لهيسه نفسه ومنذ وقت مبكر أنه سيصير كاتبا، ولكن والديه كانا ينظران إلى الأمر بشكل مختلف تماما، فقد تمنى والداه أن يصير هيرمان رجل دين مثلهما : فوالده كان يعمل مبشرا في الهند قبل أن يولد هيرمان، ووالدته هي ابنة أحد المبشرين. في 2 يوليو/ تموز 1877 ولد هيرمان في كالف، بالقرب من شتوتغارت، ونشأ في أسرة متدينة جدا، وقد أرسله والداه في عام 1891 إلى دير “ماولبرون” البروتستانتي. بعد بضعة أشهر من ذلك، هرب هيسه من هناك لأنه لم يستطع تحمل التعليم المسيحي

.

“أكون شاعرا أو لا أكون”

نماذج من أغلفة كتب هيرمان هسه

وكان قراره واضحا: إنه يريد “إما أن يكون شاعرا أو لا شيء على الإطلاق”. وقد درس هيسه في مدارس مختلفة لكنه لم يجد نفسه فيها، وفي سن الخامسة عشر حاول الانتحار في مرحلة كان يشعر فيها بانهيار وإحباط. في الأخير اشتغل هيسه في مصنع للآلات ومصنع لصناعة الساعات وفي المكتبات في إطار بحثه عن الهوية كانت عملية تحقيق الذات هي المرحلة الأصعب. وهذا الموضوع كان أحد الموضوعات التي اشتغل عليها هيسه فيما بعد في رواياته، التي تغلب عليها ملامح وقصص من التجارب المعاشة للكاتب الألماني، بالإضافة إلى تحليل ٍ لأناه الشعرية. ويوضح كاتب سيرة هيسه “غونار ديكر” الاهتمام العالمي بأدب هيسه على النحو التالي: “البحث عن الاستقلال الذاتي ، وعن فهم ديني غير متشدد، ولا مبشر، ولكن فهم ديني مفتوح على أنماط الحياة الأخرى، وعلى أفكار أخرى، وهذه مسألة ملحة للغاية في العالم العربي مثلا”

.

حقق هيسه في عام 1904 انطلاقة أدبية جديدة مع كتابه “بيتر كامنتسيند” ، وصار بإمكانه فجأة أن يعيش من الكتابة وحدها. تزوج هيسه من المصورة ماريا برنولي، التي انتقل للعيش معها في بحيرة كونستانس، وقد أنجبا أطفالا. لكن على المدى البعيد لم يكن الاستقرار والأمان يشكلان شيئا لهيسه، بل بالعكس، فقد تحول هذان العنصران إلى عذاب بالنسبة إليه. فصار زواجه مشكلة، وطبعا لم يكن هذا الزواج هو زواجه الأخير

.

من البيت الذي يقع في مزرعة على بحيرة كونستانس فرّ هيسه إلى العالم، وسافر إلى سريلانكا واندونيسيا. وقد أثرت الرحلة إلى آسيا في وقت لاحق على أعماله إلى حد كبير، على سبيل المثال، رواية “سيدارتا”

.

بعد عودته من آسيا انتقل هيسه للعيش في سويسرا. وفي عام 1914 تطوع في بداية الحرب العالمية الثانية للخدمة العسكرية. لكن وبسبب ضعف بصره، الذي كان يعاني منه طوال حياته، لم تكن له الأهلية للخدمة العسكرية. وعوض الذهاب إلى الجبهة، عمل لصالح مؤسسة ألمانية لرعاية أسرى الحرب في مدينة بيرن

.

من متطوع للحرب إلى خائن

يركز هيسه على البعد النفسي لشخصياته، ولكن الحرب والدعاية لها كانت ضد هيرمان هيسه. “آه يا أصدقاء، ليس هذه النغمات”، هكذا كتب هيسه مع اندلاع الحرب في مقالة في جريدة “نويه تسوريشه تسايتونغ”، والذي دعا فيها المثقفين الألمان إلى التقليل من الجدال الوطني والاهتمام أكثر بالإنسانية. ونتيجة لذلك جنى هيسه قدرا من العداء والكراهية والسخرية

.

وقد مزقت هذه الانتقادات وأحداث الحرب الكاتب الألماني، بالإضافة إلى ذلك تعرض هيسه إلى مشاكل شخصية: وفاة والده وإصابة ابنه الأصغر بمرض خطير. وهذه الأزمات التي تعرض لها عام 1917، جعلته يطلب مساعدة طبية، وقد دون هيسه تجربته مع التحليل النفسي تحت اسم مستعار هو اميل سنكلير في روايته الشهيرة “دميان

انتهى زواج هيسه الأول بالطلاق، وترك أسرته ليبدأ بداية جديدة. في بيته الجديد في تيسينو السويسرية كتب هيسه بعضا من أهم أعماله، مثل “ذئب السهوب” و “نرسيس وغولدموند” . وفي عام 1924 حصل على الجنسية السويسرية وتزوج من روث فينجر، التي انفصل عنها بعد ثلاث سنوات. وفي 1931 تزوج زوجته الثالثة، مؤرخة الفن نينون دولبين وبقي معها حتى وفاته

.

هيسه كمعارض للنازية

سنة 1946 حاز هيسه على جائزة نوبل للآداب. قابل هيسه وصول النازيين للحكم في ألمانيا بقلق واستنكار. كما قام (في سويسرا) بمساعدة الهاربين من النظام النازي، مثل توماس مان و برتولت بريشت، ووفر لهما المأوى. وخلال الحرب كتب عمله الكبير الأخير، “لعبة الكريات الزجاجية”. وحصل هيسه في سنة 1946 على جائزة نوبل للآداب “لإبداعه الشعري الموحي، الذي يمثل تطورا جريئا وعميقا للمثل الإنسانية العليا الكلاسيكية، فضلا عن الفن العالي الذي تقدمه أعماله”. وقد حظيت كتب هيسه بعد الحرب العالمية الثانية بشعبية واسعة في ألمانيا، في إطار البحث عن توجه جديد وعن التأمل الذاتي

.
File:Hermann Hesse Bueste.JPG

عندما توفي هيرمان هيسه في عام 1962 في منزله في مونتانيولا السويسرية، كانت شعبية أدبه قد تضاءلت، حيث وصف النقاد إنجازه الأدبي كمجموعة من الفن الهابط. لكن حركة الهيبيز التي ظهرت في الولايات المتحدة، ساعدت في عودة شعبيته.

.

في عام 2005 كتبت دار نشر زوركامب التي تنشر جزء كبيرا من أعماله، في ذكرى وفاته في أسبوعية “دي تسايت”:”لا يوجد كاتب جنت دار نشر زوركامب (أوان للزهور) من ورائه مثل هيرمان هيسه

.

معظم مؤلفات هسه تُرجمت الى العربية

نماذج من أقوال وشعر ورسوم هيرمان هسه:

عليك أن تجرب المستحيل لتصل إلى الممكن

***

لم تصبح الجنة جنة إلا بعد أن طُرِدنا منها

***

الأبد مجرد لحظة طولها يكفي بالكاد نكتة

***

أفضل طريقة للتعامل مع المجانين أن تدعي أنك عاقل

***

دون كلمات أو كتابة أو كتب

لم يكن ليوجد شيء اسمه تاريخ،

ولم يكن ليوجد مبدأ الإنسانية

***

كل كتب هذا العالم

لا تجلبُ لك السعادة

لكنها تُحيلك سراً إلى نفسك

فهناك كل ما تحتاجه

شمس ونجم وقمر

لأن الضياء الذي تسأل عنه

يسكن بنفسه فيك

الحكمة التي كنت تبحث عنها طويلاً

في المكتبات

تسطع السَّاعَة من كل ورقة

لأنها الآن لك

***
File:Hermann Hesse.jpg
Traurigkeit

Die mir noch gestern glühten

Sind heute dem Tod geweiht

Blüten fallen um Blüten

Vom Baum der Traurigkeit

Ich seh sie fallen, fallen

Wie Schnee auf meinen Pfad

Die Schritte nicht mehr hallen

Das lange Schweigen naht

Der Himmel hat nicht Sterne

Das Herz nicht Liebe mehr

Es schweigt die graue Ferne

Die Welt ward alt und leer

Wer kann sein Herz behüten

In dieser bösen Zeit

Es fallen Blüten um Blüten

Vom Baum der Traurigkeit

***

وقفة في بستان كروم، 1927

ما أثقلها هي الأيام

فلا نار

لا نار

تدفئني

ولا لا شمس

تبتسم لي

فكل شيء ها هنا

بارد عار

وصارم

وحتى حبيباتي

النجمات

الساطعات

بدت موحشة

موحشة

ومقفرة

حينما علمت

بان قلبي

الذي أحبها

ذات يوم

قد يموت

***

مشهد من كازا روسا من أعالي مونتانيولا، 1931

الراعي مع غنماته

يمشي في الدروب الهادئة،

البيوت تريد أن تنام

إنها تُظلم و تغفو

أنا، بين هذه الأسوار

في هذه الساعة، الغريب الوحيد

يشرب قلبي الحزن،

حتى النهاية، بكأس الشوق

أينما يقودني الطريق،

أجد موقدا مشتعلاً،

لكن، أنا لم أشعر (أحس) أبدأ

ما هو الوطن و ما هي أرض الآباء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق