الأحد، يونيو 10، 2012

السريالية في فن التصوير



اعتمدت الحركة السريالية في التصوير الضوئي كما في الفن التشكيلي اعتمادا تاما على النشاطات العقلية اللاشعورية والتي تأتي في مجملها من خارج اللاوعي .فتتشكل من الخيال وأحلام اليقظة وقد نراها تعبر بتفاصيل واقعيه مباشره قوية جدا في أحيان اخرى.وهي تجمع بين النقيضين . الحقيقة والخيال بحيث تمتزجان وتتشكلان في قالب فني واحد يكون مدعاة للغرابة والتساؤل والدهشة ولكن هناك فرقاً وبوناً شاسعاً بين السريالية في الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي من حيث تسجيل التفاصيل والأمانة والدقة وبذلك أضحت وسيلة جيدة ووسيطا ناجحا ومثاليا لنقل السريالية.
..
انبثق نور السريالية في الصورة الفوتوغرافية في عشرينات القرن العشرين على يد الفنان (راؤل هيسمان) وأتى ذلك عندما ظهرت له نتائج استخدام (المونتاج) بشكل إبداعي وفكر بأن يخلق مواضيع جديدة بتلك الصور المركبه ويخرجها عن سياقها المألوف والمتعارف عليه
فتشكلت نتائج فنية ملهمه .تطور الأمر نوعا ما عبر إستخدام بعض أداوت الرسم كفرشاة البخ
جنبا إلى جنب معا دمج بعض الصور وذلك عبر رش الالوان باليد على تلك الصور الممنتجة .
في أثناء ذلك اتجه كمُ لايستهان به من الفوتوغرافيين إلي نبض الشارع
وحياة المدن ونقل جميع تحركات الانسان وميوله ومشاعره بشكل جديد يحمل تضاداً وغرابة وعفوية بنفس الوقت .
في عام 1923م قام كل من (بول ستيرون) و (لازلو ماهولى) بطريقة مبتكرة جداً وذلك بعمل صور تكاد تكون تجريدية نوعاً ما بطريقة التكرار وقاما فيها على بشكل مباشر على تنظيم المنظور لإعطاء إحساس واقعي للعمق إضافة إلى الإحساس من جهة اخرى بتفكك وتشتت العناصر عبر الاعتماد على عدم ترتيبها بشكل منتظم .




نموذجان من أحد أعمال الفنان بول سيترون


نموذجان من أحد أعمال الفنان لازلو ماهولي


مما لاشك فيه ان أعمال الكولاج التي قام بها راؤل هيسمان

وجوج جورز وهانا هوتش وجون هارتفيلد
هي البدايات الحقيقة للسريالية في التصوير الفوتوغرافي ولكن من الملفت جداً هنا أن أعمال الكولاج التي كان يقوم بها هؤلاء معمولة بالأساس على ورق الرسم عبر تكوين العشرات من القصاصات الورقية وقطع بعض الصور الفوتوغرافية وتشكيل إتحاد غير منطقي من خلالها. ولجأ أيضا هؤلاء إلى استخدام معامل التحميض واظهار الصور بشكل آلي ومطبوع.
تم إنتاج كميات لايستهان من الصور السريالية في تلك الفترة والتي تحمل أفكارا خيالية وغريبة التي هي في الأصل قطع من الصور الفوتوغرافية ولجأ بعضهم في حالات شاذة إلى عمل كتابات ورموز على بعض الأعمال لإيصال رسائل معنية بوجه مخصص



نموذجان من أعمال الفنان راؤل هيسمان





نموذجان من أعمال الفنانة هانا هوتش

في كل تلك العمليات الفنية الإبداعية تعددت الأهداف والرؤى حسب الأهواء والفكر والإنحياز لطرف معين وتجلى ذلك في أعمال الفنان (جون هارتفيلد) فقد كان ندا وخصما قويا للنازية فاستخدم كل الأدوات والتقنيات المتاحة له في ذلك الوقت لإظهارها في أبشع صورة

وقد تصدرت أعماله معظم المجلات والصحف آنذاك
من جهة أخرى كان الفنان (ماكس ارنست) ينتهج مواضيع تتسم بالمخيلة الواسعة في تجسيد الأحلام والتعبير عن طموحاته وتطلعاته


نموذج من أعمال الفنان جون هارتفيلد


نموذج من أعمال الفنان ماكس ارنست

الرواد الاوائل في سريالية الصورة الفوتوغرافية :


من واقع التجارب المتعددة بالخروج بصور غير مألوفة أو مطروقة للأذهان من ناحية الفكرة والمضمون الفني لها اختار بعض المصورين المدرسة السريالية وأفكارها كمنطلق لهم إلى جانب عملهم كمصورين فوتوغرافيين عاديين .

فاتخذ بعضهم الحياة اليومية والبيئة التي من حولهم موضوعات بمعطيات ورؤى بشكل مغاير كنقطة بداية في إبراز الصور السريالية
واتخذ بعضهم غرف التحميض (الغرف المظلمه) وسيلة في إبراز صورهم السريالية بالتقنيات المتاحة لهم وعبر استخدام المؤثرات الخاصة وعمل صور بعدة تعريضات مختلفه ودمجها معا
وعملية الطباعة المتعددة للتكرار.وكان إلى جانب (راؤل هيسمان )
و(بول سترون) و( هانا هوتش) و(لازلو ماهولي) و(جون هارتفيلد)
الذين ذكرناهم اعلاه كل من
جاكوس هنري :
كان هذا الرجل يعتمد اعتمادا كلياً على الحياة اليومية والبيئة التي من حوله .فكان يستخدم في صوره سرعة غالق سريعة وكان يعتمد على الحركة بشكل كبير في ذلك
اندريه كرتز:
كان دائما يجمع بين النقيضين في صوره فنرى فيها تضادا غريبا وكان يميل إلى التقاط بعض الصور بزاوية من الأعلى ليعطى له فرصة في عرض موضوعات بشكل سريالي وعناصر غير مترابطة
هنري برسون :
كان لدية إحساساُ قوياُ بالأشكال الهندسية بحيث يجمع في وجه شبه بين أشكال طبيعية وأشكال صناعية وكان يعتمد ايضا على سرعة غالق بطيئة خلقت صوراُ ذات معاني فنية عالية
اليوت ارويت :
التقط اغلب صوره وعاد مونتاجها في (الغرفة المظلمه) وكانت تتسم صوره بروح الدعابة والفكاهة وكان عضوا دائما في منظمة الصور العالمية ( ماجنم فوتو)
انجوس ماكبين :
يطلقون عليه قائد المسرحية الفوتوغرافيه لانه استخدم عددا من المشاهير في المسرح والسينما لموضوعاته فالتقط لهم صورا اعتياديه وقام من خلال معامل الطبع والتحميض بتركيبها عبر اشكال خيالية

جري اليسمان :
من المصورين السرياليين المبدعين وكان من الذين يفضلون استخدام غرف التحميض (الغرف المظلمة) واستخدم تقنية الصفوف من ستة سلبيات متتابعة التي أتاحت له الاستفادة من جمعهم في الدمج وكان يعرض صورا بتركيبات متناسقة ومتماثلة وكان متميزا في مطابقة الاضاءة والمنظور للواقع السريالي


الادوات والتقنيات المستخدمه في انتاج الصور الفوتوغرافية

كما تقدم كانت الصور السرياليه تنحى منحيين في إظهارها فكان المنحى الأول أن يستعين المصور الفوتوغرافي بمحيطه وبيئته في خلق صور سريالية وأشكال خيالية قد تتسم بالجدية وأحيان بنوع من الفكاهة والسخرية
والمنحى الآخر هو الاستعانة بتقنية (الغرف المظلمة) في عمل المونتاج والقص والتركيب والدمج عبر شرائح الافلام وكانت التجارب غير مقيدة على قواعد وأسس متبعه فكان لكل مصور طريقته الخاصه وافكاره وتجاربه في المعمل .
وكان هناك خطوات أخيره قد يلجأ إليها البعض في الصوره السريالية عبر تلوينها يدويًا بعد الانتهاء منها
كان كل ذلك العمل مجهدا ومكلفا جدا بعكس ماتتحيه التقنية هذه الايام عبر الصورة الرقمية وأجهزة الحاسوب وبرامج معالجات الصور
لقد سعي عدد قليل من الرسامين السريالين لتطوير صفات التصوير الفوتوغرافي في صورهم من امثال سلفادور دالي و أوسكاردومينغيز و مارسيل جان
واتضح ذلك بشكل جلي في التعاون بين الرسام دالي والمصور فيليب هليسمان, ففي صيف عام 1941م التقى المصور الفرنسي
المهاجر من فرنسا إلى أمريكا حديثا فيليب هيلسمان بالرسام العالمي سلفادور دالي الذي ضربت شهرته الآفاق بمدرسته السريالية وفنتازياته وجنونه كانت عبارة عن ثورة جنون وفن وتمرد تحمل في طياتها فنا لايستهان به قام به كلايهماعلى انفراد قبل ان يتعاونا معا بعضهما
ويظهر ذلك في أعمالهم المشتركة بداية من عمله الشهير الذي ظهر فيه دالي كرسام ممسكا بريشته تصاحبه أحداث في غريبة تبعث على التركيز في كل حدث بعينه .. اندفاع القطط والماء.. والعلاقة بين القطط والماء .. انكسار وتهشم بعض قطع الزجاج الصغيرة وضعية الرسام وارتفاعه من الأرض إلى ارتفاع الكراسي انعكاس ظل لوحة الرسام أسفل الغرفه . كان الوضع أشبه مايكون إلى انعدام الجاذبية .. اوتوقف الزمن ..ولكل عمل فني كما نعلم قراءات فنيه مختلفة فكل ناقد ومتذوق يرى مالايرى غيره




نموذجان يوضحان مدي التأثر بالاعمال التشكليه السرياليه والتعاون الكبير الذي تم بين المصور هيلسمان والرسام دالي
...
لقد أعطت السريالية في التصوير الفوتوغرافي تطورا ونقلة نوعية كبيرة وحفزت الفنانين المصورين لمزيد من الابداع عبر مساحة واسعه جدا من الافكار والتصورات والتجارب

وتربع مكانه اثارت كثيرا من الجدل نظرا لنزعتها الغريبة ومواضيعها الخيالية ومما لاشك فيه ان التطور الكبير في الصوره الفوتوغرافيه والانتقال من التصوير الفيلمي إلى التصوير الرقمي وبروز برامج معالجات الصور ذات المرونه في التعامل ساعد في تطور الفن السريالي أكثر في الصورة الفوتوغرافية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق