الثلاثاء، يوليو 26، 2011

رجم ثريـــا

كثيرا ما نشتكى النساء .. لكن من له خبرة بالتجمعات الذكورية البحتة (كجيوش كثير من الدول) سيفلح - حتما - فى تكوين تصور واضح عن عيوب هذه الأخيرة ، وحياتها التى لا تطاق .


والمجتمعُ الذى نحن بصدده الآن - وإن لم يخل من نون النسوة - مجتمعٌ ذكورىٌ يحكمه ويقرر طبيعةَ علاقاته الرجال ، كما يصرح بذلك الأب فى مشاهد الفيلم الأولى ، إثر شجار - أحادىّ الطرف - مع الزوجة التى تُمتهن - بلا حيلة للدفع - أمام الصغار .

يقول الرجل مخاطبا أكبر الأولاد ومشكِّلا وعيه : لا تنسَ أبدا ذكورية هذا المجتمع . ليعى الصغير الدرسَ جيدا ويحمل - فى تكوينه - تركةَ الأسلاف . الأمر الذى سيبدو واضحا بتتابع الأحداث .

يريد علىٌّ طلاقَ ثريا ليعاود الزواج من فتاة لا يزيد عمرها عن أربعة عشر عاما ، وليست هذه هى المشكلة ، فالمشكلة - بالأساس - فى ثريا التى ترفض إبراءه مما يكون للمطلقة - التى تعول - من حقوق .. لكن عليًّا يريد طلاقا بلا ثمن .

تسنح الفرصة فيلفق علىٌّ لزوجته - الثيّب - اتهاما عبثيا بالزنا ، ويساعده فى ذلك فقيه القرية الذى يبتزه علىٌّ بنقطة سوداء تصم ماضيه ، كما أن صاحبنا "الملا" - بعيدا عن الابتزاز - رجل بلا ضمير .

يلفق الرجال ، ويجتمع الرجال ، ويقرر الرجال ، ويرجم الرجال . و "أيدٍ تطاع بما تشاء لأنها أيدى رجال" * . لكن الفيلم - رغم ذلك - يمجد قوةَ النساء .


حفرة وحجر .. ويتوالى الارتطام

تجتمع القرية رجالا ونساء فى دائرة مركزها ثريا المدفونة حتى الخصر ، ويكون أبوها نفسُه أولَ الرامين ، فالزوجُ فالذكورُ من الأبناء ، فى مشهد تعيد قسوته إلى الذاكرة قسوة العنف التى أشرنا إليها من قبل فى حديثنا عن الفيلم الأسيوى
Oldboy

تأتى الأحداث كفلاش باك لحديث الخالة "زهرة" .. خالة ثريا التى أصرت أن يعرف العالم قصة صغيرتها .. إلى أحد الصحفيين الفرنسيين من أصل إيرانى عما حدث فى اليوم السابق ليوم وصوله إلى القرية ، بعد أن عجزت عن الحيلولة دون وقوع هذه المأساة ، حتى بلغ بها الأمر حد صفع عمدة القرية الذى ظنته كذا ، فاتضح أنه أجبن من أن يكون عند حسن الظن .

نعرف - مع نهاية الفيلم - أن زواج علىّ من الفتاة الصغيرة (التى لم تُسأل رأيها) لن يتم ، لأن عليًّا يفشل فى إتمام شروط الصفقة . لكنك - بعد كل هذه الأحداث الفاجعة ومشهد الرجم القاسى - لن تبالى كثيرا بذلك ، وإن غافلتك ضحكةٌ مقتضبةٌ سخريةً من هؤلاء الذين يمكرون ... ويمكر الله .


تتبدى قوة المرأة فى الزوجة التى تلعبها Mozhan Marno بكبرياء مُقْنِع لا مغالاة فيه ، وإن ظل كافيا لصمودها أمام الجلاد .. أُمًّا فى البدء ، وضحيةً فى المنتهى .
وتتبدى - أيضا - فى الصوت الصارخ بالعدل فى برية الظلم والصمت والتواطؤ .. زهرة (تقوم بدورها الممثلة Shohreh Aghdashloo - لعلكم تذكرونها من House of Sand and Fog) ، التى لا تنى تشير بحنين إلى عهد "الشاه" ، حين عرفت المرأة الإيرانية - كما تقر ضمنا - أياما أفضل من تلك التى جاءت مع مجىء الملالى واعتلائهم سدة الحكم بنهاية سبعينات القرن الماضى على يد الخمينى وجماعته .

The Stoning of Soraya M للمخرج Cyrus Nowrasteh فيلم عن الذكورة حين تجدل مشنقة من أحكام الشرع (رغم عبث المؤامرة التى لم تراعِ حتى شروط تطبيق الرجم كما هى عند المسلمين) لتشنق بها النساء . ومخطىء من يظنه نقاشا - بالأساس - حول مسألة الحدود . تماما كصلاح عبد الصبور حين عرض رؤيته عن حادثة قتل الحسين بن منصور ، فهو لا يناقش حد الحرابة ، وإنما استغلال الديانة وأحكامها بالتواء (هكذا يتصور عبد الصبور المسألة) لاستصدار حكم ضد هذا "المجاهد الروحى العظيم" - على حد تعبيره . (ارجع إلى مسرحيته الشعرية "مأساة الحلاج") .

وقائع الفيلم مستقاة عن قصة حقيقية وقعت فى إيران فى عام 1984 ، وقد قام الصحفى الفرنسى Freidoune Sahebjam بنشر كتابه تحت نفس العنوان الذى يحمله الفيلم ، ليصبح واحدا من أكثر الكتب مبيعا .

تحقق لزهرة ما أرادت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق