السبت، يناير 22، 2011

خرافة يتبناها فرويد .. اوديب

* فقاعات هشة ..
* قد لا يستغرقك الأمر سوى دقائق معدودة تختلسها من وجه الزمن .. ربما تزيد عن ذلك أو تنقص , ولعل الزيادة أمر وارد إذا ما أغرقت ذهنك في لجاجة من الذهول الغريب .. أو بما هو مرجح بإنكار يسيطر على الحواس ..
المحير في الأمر هو ذلك التردد الذي يعتريك في لحظة إستيعابك للمعلومة الفائقة الحبكة والزائفة , لتقدم قناعتك المشتتة على إثر ذلك خطوة وتؤخر أخرى .. حيث تقصي كل زيف للمعرفة الوافدة بعيدآ عن وعيك وانتباهتك ..
ومن البديهي أن هذا الشتات يجعلك في خضم الرفض التام أن تزاحم الوقت لإدلاق فيض من الدهشة الراكدة في أغوار عقلك , ومما لا شك فيه أن تحريك الماء الآسن في أحراش العلم قد يأتي أحيانآ بخير عظيم من المنفعة الثقافية , وأحيانآ أخرى قد تداهمك فقاعات هشة من المعلومات التي تطفو عل فضاءات ذاكرتك ثم سرعان ما تذوي وتزول ..
أنا أتحدث هنا من جديد عن الخرافات الشائعة في صفحات التاريخ , وخصوصآ الغريب منها والتي من شأنها أن يلفظها الذهن السوي لكونها حدث يخالف أبسط مقومات الطبيعة الفكرية .. وهذا ما سنسرده فيما يلي من وقائع أسطورية لا بد لنا من الوقوف عليها ثم مناهضتها من حيث المعتقد والخطايا البشرية الداعية للإشمئزاز ..
* الملك المطرود
تستهل الأسطورة أحداثها ببداية أقرب ما تكون من حكايات الأطفال التي عادة ما نرويها لصغارنا , لتنحى بعد ذلك منحى مختلفآ كليآ في بلورة التفاصيل .. والملك "لايوس" هو نجم الخرافة وإن شئت قل الرمز الأول فيها , حيث كان متربعآ على عرش مدينة تدعى "طيبة" , ثم لسبب ما طرد من مدينته ونحي عن ملكه , فلجأ إلى مدينة "طنطالة" يطلب من ملكها الدعم والمساندة , فلم يخيبه الحاكم الطيب فوقف إلى جانبه وآزره حتى عاد لايوس المنفي إلى مدينته يحكمها مجددآ , ولكنه عاد بخطيئة عظيمة لا تغتفر , وذلك حين قام بخطف ابن الملك الذي استضافه وأحسن إليه , مما حدا بالإبن المخطوف في نهاية المطاف إلى الإنتحار بعد إقتراف لايوس آثام بشعة في حق الفتى ..

* الجميلة جوكاست
وبعد حين من الدهر , يتزوج لايوس من الحسناء "جوكاست " التي كانت على قدر من الجمال . وتسهب الأحداث في وصف الملك ومدى سعادته بزوجته الجميلة التي لاقى برفقتها أجمل أيام حياته , وكان ينتظر بصبر فارغ قدوم ولي العهد - حين علم بحمل زوجته - والإبن الذي سيرثه في الحكم والذي تأخر مقدمه كثيرآ بسبب عبثه ولهوه في سنواته الغابرة , بهذا الشوق العارم لوليده لجأ إلى أحد الكهنه يسأله عن الآت من عمره , فأخبره العراف بأن الآلهة ستسلط عليه عقابآ قاسيآ بسبب فعلته النكراء والشائنة مع ابن ملك طنطالة , وأن زوجته ستلد غلامآ سوف يترعرع ويصبح شابآ ثم يقوم بقتله والزواج من أمه ..

* الوليد المرعب
في البداية لم يصدق لايوس هذه النبؤة , ولكن عندما أنجبت جوكاست صبيآ , بدأت الهواجس والمخاوف الفزعة تسيطر عليه , إضافة إلى الكوابيس التي باتت تطارده ليلآ ونهارآ , من أجل ذلك قام بخرق قدمي الطفل ثم ربطه وعلقه منهما أمام أنظار الأم المكلومة جوكاست التي كانت تبكي وليدها ألمآ وحسرة , وبعد ذلك التعذيب طلب من أحد حراسه أن يأخذ الطفل إلى جبل "كثيرون" آملآ بأن تفترسه السباع ويلقى نحبه , لكن الحارس الطيب لم يطاوعه قلبه على فعل ذلك , فأشفق على الصغير وأخذه سرآ إلى ملك "كورنثة" , حيث اتخذه الملك ولدآ وأحبه حبآ شديدآ وأسماه "أوديب" نظرآ لتورم قدميه بسبب جرحهما الغائر ..

* الهروب إلى المصير
وتمر الأعوام تباعآ , ثم يحدث ما لم تحمد عقباه ويعكر صفو الشاب أوديب إذ يلتقي مصادفة بأحد العرافين ويخبره بأنه على وشك إرتكاب أمر عظيم ويتلخص بقتله لأبيه والتزوج من أمه , فيفر أوديب من بلدته حتى لا تتحقق النبؤة , ظانآ أن ملك "كورنثة" وزوجته هما والديه الحقيقيان , وأثناء هروبه الذي استمر فترة طويلة قضاها بالتجول في عربته , يلتقي صدفة بوالده لايوس الذي كان يركب عربة هو الآخر وخرج من بلاده هائمآ على وجهه وباحثآ عن حل للعنة التي أصابت مدينته , إذ تذكر الأسطورة أن وحشآ مفوهآ بصورة أبي الهول قد اقتحم مملكة لايوس وقام يسأل الناس عن لغز يجب حله , ومن لم يستطع ذلك يقوم الوحش بقتله على الفور , فضج العامة من ذلك وطلبوا العون من مليكهم , لذلك خرج لايوس يبحث عن حل لهذه المعضلة الجسيمة ..

* نبؤة تتحقق ببساطة متناهية
حين التقى أوديب بأبيه الحقيقي دون معرفة كل منهما للآخر , تصادمت عربتاهما فتشاجرا , واشتد النزاع ودب بينهما خلاف كبير انتهى بقتل أوديب للايوس , ثم سار على إثر ذلك إلى مدينة طيبة ليقابل الوحش العجيب الذي سمع عنه هناك , فقابله أبو الهول عند حدود المدينة , وسأله عن اللغز الذي حير الناس ومات منهم عدد كبير بسببه , وكان السؤال ببساطة يدور حول :
" ما هو الشئ الذي يمشي على أربع ثم على إثنتين ثم على ثلاثة "
وكان أوديب من الفطنة والذكاء ما جعله يجيب الوحش قائلآ :
" هو الإنسان , يحبو على أربع في طفولته .. وعلى إثنتين في شبابه .. وعلى ثلاث في شيخوخته لأنه يستعين بعصا تعينه على المشي "
فمات الوحش قهرآ وكمدآ لذلك , ورحب أهل المدينة بأوديب وفرحوا به فرحآ غامرآ , ثم نصبوه ملكآ عليهم ليقوم بعد ذلك الملك الشاب بالزواج من جوكاست التي أحبها بشدة وأنجب منها أربعة أبناء ..ثم تتوالى الأحداث عبر السنين ويصيب المدينة وباء قاتل يهلك النسل والزرع , فيلوذ الناس مجددآ إلى العرافين والكهنة حيث يخبرونهم بأن ملكهم هو سبب البلاء لأنه قتل والده وتزوج من أمه , فما يكون من جوكاست بعد أن تلم بذلك إلا قتل نفسها .. وتنتهي الخرافة عند هذا الحد من الأحداث والمفاجآت العجيبة ..

* فرويد وعقدة أوديب
من الغريب جدآ في هذه الأسطورة أن نجد "فرويد" العالم النفسي الشهير قد استثمرها في تحليله للعلاقات العائلية الحميمة , والأدهى من ذلك وأمر أنه بنى عليها مجموعة من النظريات التربوية المتعلقة بالرغبات والأهواء بالنسبة للأطفال وآبائهم ..
وجاءت هذه النظريات حسب الرافضين والمتحفظين عليها مقيتة ولا تمت للواقع بأي صلة وذلك لأن الأساس الذي بنيت عليه كان وهمي واهن وغير حقيقي , وهي الخرافة التي طرحناها سابقآ ..
سحر الناجي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق