الاثنين، يناير 24، 2011

جواد سليم ونصب التحرير



الفنان جواد سليم 1921 - 1961






















جواد سليم نحات من العراق ، يعتبر من أشهر النحاتين في تاريخ العراق الحديث، ولد في أنقرة لابوين عراقيين واشتهرت عائلتة بالرسم فقد كان والده الحاج سليم وأخوته سعاد ونزار ونزيهة كلهم فنانين تشكيليين. وكان في طفولته يصنع من الطين تماثيل تحاكي لعب الأطفال، ولقد أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد. نال وهو بعمر 11 عاما الجائزة الفضية في النحت في أول معرض للفنون في بغداد سنة 1931. وأرسل في بعثة إلى فرنسا حيث درس النحت في باريس عام 1938-1939م، وكذلك فيروما عام 1939-1940 وفي لندن عام 1946-1949 ورأس قسم النحت في معهد الفنون الجميلة في بغداد حتى وفاته في 23 كانون الثاني 1961. وكان يجيد اللغة الإنكليزية والإيطالية والفرنسية والتركية إضافة إلى لغته العربية، وكان يحب الموسيقى والشعر والمقام العراقي. أسس جماعة بغداد للفن الحديث مع الفنان شاكر حسن آل سعيد، والفنان محمد غني حكمت. كما هو أحد مؤسسي جمعية التشكيليين العراقيين. وضع عبر بحثه الفني المتواصل. أسس مدرسة عراقية في الفن الحديث فاز نصبه(السجين السياسي المجهول) بالجائزة الثانية في مسابقة نحت عالمية وكان المشترك الوحيد منالشرق الأوسط وتحتفظ الأمم المتحدة لنموذج مصغر من البرونز لهذا النصب. في 1959 شارك مع المعماري رفعت الجادرجي والنحات محمد غني حكمت في تحقيق نصب الحرية القائم في ساحة التحريرببغداد وهو من أهم النصب الفنية في الشرق الأوسط، ولجسامة المهمة ومشقة تنفيذ هذا العمل الهائل ففد تعرض إلى نوبة قلبية شديدة أودت بحياته في 23 كانون الثاني يناير عام 1961م، الموافق 6شعبان 1380هـ، وشيع بموكب مهيب ودفن في مقبرة الخيزران في الأعظمية.

جواد سليم بعيون لورنا زوجته

لورنا هيلز رسامة بريطانية

عاشت لورنا في بغداد مبهورة ، تسوح في احياء بغداد وازقتها، وكم دهشالناس في أزقة بغداد من هذه المرأة التي تجلس لساعات ترسم بوله عتبة باب بغداديمتداع، او شناشيل بيت آيل للسقوط، او نساء بغداديات شعبيات وأرديتهن الملونة، فهيمثلا تجلس ساعات طويلة تنتظر بائعة القيمر لترسم بورتريه لها، تقول لورنا (سحرتنيالعباءة السوداء التي تخفي تحتها الوانا حارة براقة، واذا كنت في لندن اقلد لوحاتبيكاسو التجريبية، فأنا في بغداد اطارد النساء البغداديات في الازقة لارسمهن.


لميكن جواد سليم فنانا تقليديا، بل كان نابغة هضم المشهد التشكيلي العالمي جميعه ومنمنابعه الاصلية (درس الفن في ايطاليا، انكلترا، فرنسا) ومع ذلك راح يبحث عما يشكلهويته العراقية فكان يبحث عن جذور الفن السومري والاشوري، وفيما بعد الحضارةالاسلامية، لم يكن لديه متسع من الوقت، كان ينحت ويرسم ويدرس ويؤسس لتيار في الفنالتشكيلي يعتمد الهوية الوطنية والبغدادية بشكل خاص.


كانت لورنا مسحورة بهذهالرفقة وانغمست هي الاخرى في اكتشاف بغداد والوانها التي الفتها عيون الفنانالعراقي بحكم التعود، فيما ظلت لورنا عطشى لكل بوابات بغداد وشناشيلها واوكراتازقتها وبيوتها.


لورنا ونصب الحرية


تقول لورنا: لم يشعر جواد يوما بالراحةوالاطمئنان، الا بعد اكمال صب النصب، حينها احس براحة شديدة كان جواد يتمنى ان يكونالنصب من دون ارتفاع لكن المعماري رفعت الجادرجي اقترح ان يكون النصب على قاعدة حتىيكون بمنأى عن ايدي العابثين من المارة والاطفال، لم يقتنع جواد بذلك، فقد كان يرىان النصب عندما يكون قريبا من الناس يصبح جزءاً منهم، التقى جواد ـ تواصل لورناحديثها ـ الزعيم عبدالكريم وخرج مرتاحا من المقابلة وقال: ان هذا الرجل سيعانيالكثير بالتعامل مع الناس.. والحقيقة لم يطلب عبدالكريم من جواد ان يضع صورته فيوسط قرص الشمس في اعلى النصب، لكن بعض المنافقين هم الذين اقترحوا ذلك ورفض جوادذلك.


رحيل جواد المفجع


في نهار 23 كانون الثاني اسلم جواد الروح وكنت احملالمغذي معي ـ هكذا تتذكر لورنا ـ وكان خالد القصاب والدكتور سليم الدملوجي صديقالعائلة يحيطان به وبذلا كل ما في وسعهما انتشر الخبر وجاء الفنان خالد الرحال الىالمستشفى ومعه كمية من الجبس الذي يستعمل في النحت، وقام بصب قناع لوجه جواد تركجواد سليم لورنا من دون بيت وراتب تقاعدي قدره (26) ديناراً، فضاقت الدنيا بلورناونصحها البعض من الاصدقاء بكتابة رسالة للزعيم عبدالكريم، وفعلا كتبت الرسالة.. وكانت تحلم ان يأمر الزعيم باعطاء قطعة ارض لعائلة جواد الذي عمل وضحى وتفانى فيخدمة وطنه وفنه، والزعيم على دراية بكل ذلك، لكن الزعيم بزهده وحرصه على المالالعام امر فقط بان تعطى الجنسية العراقية للورنا، وكانت هذه امنية لها، فقد ارادتان تربي مريم وزينب في وطن جواد، وواصلت كفاحها بالتدريس في كلية البنات وفيما بعدفي كلية الهندسة، وبجهود المعماري محمد مكية غادرت لورنا العراق العام 1971، وعادتبزيارة قصيرة عام 1986.. وما زالت رسومها وتخطيطاتها تعد مصادر مهمة للباحثين فيالابنية البغدادية، خصوصا بعد ان هدمت هذه البيوت او أُزيلت اصلا.
نصب الحرية


تفاصيلها




عبارة عن عدة قطع برونزية مصبوبة


عندما نشاهدها تكون الملحمة قد بدأت من اليمين الى اليسار كما في الكتابة العربية


ونرى هذه الملحمة وخصوصاً في يمينها مظطربة الحركة وكلما أتجهنا يساراً تبدأ الحركة تنتظم وتصبح نابظة بالحياة والأصرار.






في هذه القطعة نرى عنفوان الجواد العربي الأصيل وهو يرفض الأنصياع










في هذه القطعة نرى الثائر اْو الثوار وهم يرفعون اللافتات مطالبين التغير










وهنا يصور لنا الفنان جواد سليم البراءة والأمل متمثل بهيئة طفل صغير ماداً يديه لبداية طريق جديد (المستقبل)












وهنا أمرأة مشحونة بالأنفعال والغضب والحزن









هنا في هذه القطعة منظر مؤثر جداً حيث الأم تحتضن أبنها الشهيد وتبكي عليه
وهذا المنظر غالباً مايتكرر في تأريخ العراق سواء كان القديم أم الحديث




وبعد ذلك تأتي الأمومة التي تغمر الحياة الجديدة بالحب والحنان

فمن المؤكد أن الثورات لها مآسي و ضحايا لكن في نفس الوقت تملك أجيال جديدة




هنا يبدأ التحول في هذه الملحمة فنرى السجين السياسي من شدة امتعاضه وغضبه بعد أن مزقت ظهره السياط تكاد أن تتحطم الزنزانة بين يديه





ولكن القضبان لاتنفصل في النهاية إلا بأصرار وقوة وجهد الجندي ونرى فوق رأسه اشراقة الشمس

وهذا دليل على أهمية دور الجيش في صنع الحرية




وهنا تنقلب صفحة المعاناة والمآسي ليحل السلام والأزدهار والحرية
حيث تظهر لنا أمراءة تحمل مشعلاً وهو رمز الحرية الأغريقي مندفعة نحو محررها





وبعد الأنفعال يأتي الهدوء فيتوقف الغضب ومواجع الثورة وتحل الراحه والسكينه في القلوب وتتحول بعدها القضبان الحديديه إلى اغصان على هيئة امرأة رقيقة مفعمة بالانوثة تفتح ذراعيها للمستقبل




وهنا الرمزان الخالدان دجلة والفرات واللذان يعتبران العمود الفقري لبلاد وادي الرافدين فدجلة تعني بالعربية أشجار النخيل والفرات بمعنى الخصب وتمثلهما أمرأتان احداهما تحمل سعف النخيل والآخرى حُبلى وكلاهما باسقتان بين سنابل القمح




وهنا فلاحان يرمزان الى الكرد والعرب احداهما بزي اشوري والاخر بزي سومري يتطلعان الى رفيقيهما دجلة والفرات ماسكين مسحاة (مجرفة) واحدة فقط ,فيما بينهما تعبيراً عن وحدة البلد الذي يعيشان في كنفه




أما هنا الثور فهو يعد من رموز الحضارة السومرية
وهذا دليل بأن الفنان قد أستلهم الحضارة للتطور والتقدم




وأخيراً

يظهر لنا العامل مفعم بالثقة وهو بكامل الأصرار
على البناء والعمل والتقدم




شعر : خلدون جاويد
يا أيها النصب
سقط الظلامُ وفي عُلاك تنير ُ
وستسقط الجُلى وأنتَ أمير ُ
نصبَ الحياة على جبينكَ لوحة ٌ
صَغرَ الطغاة ُ بها وأنت كبير ُ
ياساحة التحرير نصبك شامخ ٌ
ورهانُ حبك أول ٌ وأخير ُ
ياساحة التحرير كم من مهجة ٍ
تهفو اليك وفي سماك ِ تطيرُ
ياساحة التحرير نصبك كعبة ٌ
الصبح في جَنَباتِها والنورُ
نصب ُ الحياة تضوعُ منه وردة ٌ
وبه العراق مدى الحياة عطيرُ
طوبى جواد سليم يابن حضارةٍ
جادتْ بك الدنيا وقل ّ نظيرُ 
طوبى جواد لقد رفعت َ منائرا
للفن انت َ بحسنهن خبيرُ
أنت الجديرُ بنا بكل عراقة ٍ
وبك العراق اذا رضيت َ، جدير 
مرتْ بنا الدنيا ونصبكُ واخزٌ
مادام في شعب العراق ضميرُ
مرت ليالي الموت وهو أهلة ٌ
ومضى زمان الجوع وهو بدورُ 
انت المخلّد في القلوب وكم هوى
عن صهوة ٍ ملك ٌ وطاح وزيرُ
انت الممجدُ قلعة ٌ مرفوعة ٌ
وسواك نصبٌ ساقط ٌ وكسيرُ
من تحت ظلك كم شهيد ٍ مؤمن ٍ
في ان هامك للحياة نصيرُ
وطني بلاد الرافدين كنوزُها
في مهدهن ، وان طغى ديجورُ
وطني الأشم الى المآثر صاعدٌ
وله دويٌ صاعقٌ وحضورُ
فلتعلم الدنيا بسومرَ كونها
مجداً لقرص الشمس منه جسورُ
وبان بابل رغم سفك فراتها
تحيا ، ويجري دمعها المهدورُ
اسد ببابل لايزال مجلجلا ً
وله بأرض الرافدين زئير 
ولنا بآشور ٍ ، عريقٌ اصلُها
بالارض ، مجدٌ كامنٌ وجذورُ
ولنا بكردستان نبعٌ اشقرٌ
به من حلبجة َ انجمٌ وزهورُ
آمنت بالوطن المفدى انه
دار السلام ، على الخراب صبورُ
ان العراقَ حمامة ٌ عدوية ٌ
ترقى ويُهزم (جعفر ٌمنصورُ)
لا لن تنال كواسرٌ من صلبه
لا القتلُ لا التخريبُ لا التهجيرُ
تمثالهم قد طاحَ فوق قمامة ٍ
وهوى رئيسٌ مجرمٌ وحقيرُ
فالبعث قد طحن البلادَ بحقدِه
واليوم تطحنه الرحى وتدورُ
تبقى بلاد الرافدين كريمة ً
يحيا النخيلُ ويسقط التفجيرُ
هامش :
1- قال احد الثقات بأن التاريخ يسجل للفنان العظيم جواد سليم موقفا لايُنسى ، ومفاده ان اللجنة المشرفة على اشادة النصب قد اقترحت ، اصالة عن نفسها وبتسائل ودي : هل بالامكان ذكر اشارة للزعيم عبد الكريم قاسم ؟ .. أجاب جواد سليم رافضا ً. اضاف الرجل الثقة بأنه لو كان جواد قد وافق وعرض الأمر على الزعيم عبد الكريم لرفض ! . كلاهما مدركان بأن حركة التاريخ لايصنعها فرد بل الشعب .
ولايجدر اليوم ان يُشير شاعر او فنان الى زعامة ويسبغ عليها العظمة والابهة . لقد كره شبعنا مدحيات ونفاق الشاعر المرتزق المدعو ( أبوالشمقمق ) القائل للسلطان :
" الناس تحتك أقدام ٌ وأنت لهم
رأس ٌ وهل يتساوى الرأس والقدم ُ " .
لنحاول احترام الذات العراقية وتطويرها من جانبين : نقد السلطة البناء وليس التهليل الكاذب لها . وثانيا التصدي لمن يترزق ويحتقر ذاته أمام المجتمع الجديد العلني في وفرة الاتصالات من حيث الكلمة المسموعة والمرئية ، وان العراقيين اليوم شديدو الحساسية من مداحي الأمس وشحاذي الرؤساء . وهل سنحتاج كثيرا في الحفاظ على كرامتنا ؟ أم يجب أن نتصدى بوسائل ملموسة للممدوح اذا وافق على التملق والمادح اذا استسهل التسلق .نمدح الشعب ونثني على نبله وأصالته ، نكتب عن شهدائه العظماء وسجنائه ، عن المنفيين ، عن المعذبين في العراق وفي الأرض ، ذلك هو الفن والأدب والفكر الخالد ودون ذلك محض أوراق خريف يابسة يأخذها الهواء الى براميل القمامة .
2- مابين عام وآخر ، يجري ترميم وتنظيف النصب من قبل بعض العمال . وقد وجدت القصيدة هذه محفورة على آجرة مرمر طويلة ومثبتة بصامولات ضخمة وهي مخبأة في تجويف السقف العالي . كيف حدث ذلك تلك قصة طويلة حدثت في مساء يوم 8/12 /2003
... سيأتي الوقت المناسب للتحدث بها وبأسماء وشخوص الحدث.


















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق