السبت، يناير 22، 2011

نازك الملائكة .. يغير الوانه البحر

سالت عن البحر هل تتغير الوانه؟؟
وهل تتلون امواجه؟ هل ياترى تتبدل شطأنه؟
سالت وعيناك واسعتان اتساع الرؤى
ووجهك نجم نأى
وسف مضيعة لم تجد مرفأ
سالت وهدبك دهشة طفل
ورعشة سنبلة وتموج حقل
وكان يداك شراعين منهمرين على زورقين
سالت عن البحر , هل تتغير الوانه ؟
وهل تتلون امواجه؟هل ياترى تتبدل شطأنه
نعم ياحبيبي وبحر يلاطم وديان نفسي
ويرحل عبر مواني لون وشمس
وعبر حقول مغيب
ويغتسل الغسق القمري بأمواجه ويبلل شعره
ويلقي اليه سماء وفكرة ويلون خلجانه
نعم ويغير الوانه
فيشرب صفرة شكي وظني
ويصبح ازرق في لون لحني
وتبحر في شذرامواجه اغنياتي وسفني
ويصبح ابيض تصبح لجته ياسمينة
ويصبح اخضر مثل اخضرار العيون الحزينة
ومثل **رجد نهر النهاوند في قعر حزني
واتسال عن البحر هل تتغير الوانه ؟؟؟؟؟





تقول نازك الملائكة: بعد صدور «عاشقة الليل» 1947م وبأشهر قليلة انتشر وباء الكوليرا في مصر الشقيقة وبدأنا نسمع الإذاعة تذكر أعداد الموتى يومياً وحين بلغ العدد (300) في اليوم انفعلت انفعالاً شعرياً وجلست أنظم قصيدة استعملت لها شكل الشطرين المعتاد مغيرة القافية بعد كل أربعة أبيات أو نحو ذلك وبعد أن انتهيت من القصيدة قرأتها فأحسست أنها لم تعبر عما في نفسي وأن عواطفي مازالت متأججة وأهملت القصيدة وقررت أن اعتبرها من شعري الخائب (الفاشل) وبعد أيام قليلة ارتفع عدد الموتى بالكوليرا الى (600) في اليوم، فجلست ونظمت قصيدة شطرين ثانية أعبر فيها عن إحساسي واخترت لها وزناً غير وزن القصيدة الأولى وغيرت أسلوب تقفيتها ظانة أنها ستروي ظمأ التعبير عن حزني ولكنني حين انتهيت منها شعرت أنها لم ترسم صورة إحساسي المتأجج وقررت أن القصيدة قد خابت، الأولى، وأحسست أنني أحتاج الى أسلوب آخر أعبر به عن إحساسي وجلست حزينة حائرة لا أدري كيف أستطيع التعبير عن مأساة الكوليرا التي تلتهم المئات من الناس كل يوم. وكان يوم الجمعة 27/10/1947م وفي مخاضات الولادة يأتي يوم 27/10/1947حاسماً ولحظة الانفجار الشعري تقول: أفقت من النوم وتكاسلت في الفراش استمع الى المذيع وهو يذكر أن عدد الموتى بلغ ألفاً فاستولى عليّ حزن بالغ، وانفعال شديد فقفزت من الفراش وحملت دفتراً وقلماً وغادرت منزلنا الذي يموج بالحركة والضجيج يوم الجمعة وكان الى جوارنا بيت شاهق يبنى، وقد وصل البناؤون الى سطح طابقه الثاني وكان خالياً لأنه يوم عطلة العمل فجلست على سياج واطئ وبدأت أنظم قصيدتي المعروفة الآن (الكوليرا) وكنت قد سمعت في الإذاعة أن جثث الموتى كانت تحمل في الريف المصري مكدسة في عربات تجرها الخيل، فرحت أكتب وأنا أتحسس صوت أقدام الخيل: سكن الليل اصغ الى وقع صدى الأنّات في عمق الظلمة، تحت الصمت على الأموات ولاحظت في سعادة بالغة أنني أعبر عن إحساس أروع تعبير بهذه الأشطر غير المتساوية الطول، بعد أن ثبت لي عجز الشطرين عن التعبير عن مأساة الكوليرا، ووجدتني أروي ظمأ النطق في كياني وأنا أهتف: الموت، الموت، الموت تشكو البشرية تشكو ما يرتكب الموت.. وفي نحو ساعة واحدة انتهيت من القصيدة بشكلها الأخير ونزلت ركضاً الى البيت، وصحت بأختي إحسان: انظري لقد نظمت قصيدة عجيبة الشكل أظنها ستثير ضجة فظيعة، وما كادت إحسان تقرأ القصيدة-وهي أول من قرأها- حتى تحمست لها تحمساً شديداً وركضت بها الى أمي فتلقتها ببرودة، وقالت لي: ما هذا الوزن الغريب؟! إن الأشطر غير متساوية وموسيقاها ضعيفة يابنتي. وغضب أبي.. ثم قرأها أبي، وقامت الثورة الجامحة في البيت، فقد استنكر أبي القصيدة وسخر منها، واستهزأ بها على مختلف الأشكال، وتنبأ لها بالفشل الكامل ثم صاح بي ساخراً: وما هذا الموت، الموت، الموت!! وراح أخوتي يضحكون وصحت أنا بأبي: قل ما تشاء إنني واثقة أن قصيدتي هذه ستغير خريطة الشعر العربي وكنت مندفعة أشد الاندفاع في عباراتي هذه، وفي أمثال لها كثيرة قلتها رداً على التحدي بالتحدي، ولكن الله سبحانه وتعالى كان يسبغ عليّ رحمته في تلك اللحظات الحرجة من حياتي الشعرية فكتب لقصيدتي أن يكون لها شأن كما تمنيت وحلمت في ذلك الصباح العجيب في بيتنا، ومنذ ذلك التاريخ انطلقت في نظم الشعر الحر، وإن كنت لم اتطرف الى درجة نبذ شعر الشطرين نبذاً تاماً كما فعل كثير من الزملاء المندفعين...








نازك الملائكة شاعرة عراقية تمثل أحد أبرز الأوجه المعاصرة للشعر العربي الحديث، الذي يكشف عن ثقافة عميقة الجذور بالتراث والوطن والإنسان.

ولدت نازك الملائكة في بغداد عام 1923 وتخرجت في دار المعلمين عام 1944، وفي عام 1949 تخرجت في معهد الفنون الجميلة "فرع العود"، لم تتوقف في دراستها الأدبية والفنية إلى هذا الحد إذ درست اللغة اللاتينية في جامعة برستن في الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك درست اللغة الفرنسية والإنكليزية وأتقنت الأخيرة وترجمت بعض الأعمال الأدبية عنها، وفي عام 1959 عادت إلى بغداد بعد أن قضت عدة سنوات في أمريكا لتتجه إلى انشغالاتها الأدبية في مجالي الشعر والنقد، والتحقت عام 1954 بالبعثة العراقية إلى جامعة وسكونسن لدراسة الأدب المقارن، وقد ساعدتها دراستها هذه المرة للاطلاع على اخصب الآداب العالمية، فإضافة لتمرسها بالآداب الإنكليزية والفرنسية فقد اطلعت على الأدب الألماني والإيطالي والروسي والصيني والهندي.

اشتغلت بالتدريس في كلية التربية ببغداد عام 1957، وخلال عامي 59 و1960 تركت العراق لتقيم في بيروت وهناك أخذت بنشر نتاجاتها الشعرية والنقدية، ثم عادت إلى العراق لتدرس اللغة العربية وآدابها في جامعة البصرة

تكاد تكون نازك الملائكة رائدة للشعر الحديث، بالرغم من إن مسألة السبق في "الريادة" لم تحسم بعد بينها وبين بدر شاكر السياب، ولكن نازك نفسها تؤكد على تقدمها في هذا المجال عندما تذكر في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" بأنها أول من قال قصيدة الشعر الحر، وهي قصيدة "الكوليرا" عام 1947. أما الثاني -في رأيها- فهو بدر شاكر السياب في ديوانه "أزهار ذابلة" الذي نشر في كانون الأول من السنة نفسها.

لنازك الملائكة العديد من المجاميع الشعرية والدراسات النقدية منها ما ضمها كتاب ومنها ما نشر في المجلات والصحف الأدبية، أما مجاميعها الشعرية فهي على التوالي:

عاشقة الليل 1947،
شظايا ورماد‍ 1949،
قرار الموجة 1957،
شجرة القمر1968،
مأساة الحياة وأغنية الإنسان "ملحمة شعرية" 1970،
يغير ألوانه البحر1977،
وللصلاة والثورة 1978.

ونازك الملائكة ليست شاعرة مبدعة حسب، بل ناقدة مبدعة أيضاً، فآثارها النقدية:

(قضايا الشعر المعاصر 1962)،
(الصومعة والشرفة الحمراء 1965) و(سيكولوجية الشعر 1993)

تدل على إنها جمعت بين نوعين من النقد، نقد النقاد ونقد الشعراء أو النقد الذي يكتبه الشعراء، فهي تمارس النقد بصفتها ناقدة متخصصة. فهي الأستاذة الجامعية التي يعرفها الدرس الأكاديمي حق معرفة، وتمارسه بصفتها مبدعة منطلقة من موقع إبداعي لأنها شاعرة ترى الشعر بعداً فنياً حراً لا يعرف الحدود أو القيود. لذلك فنازك الناقدة، ومن خلال آثارها النقدية تستبطن النص الشعري وتستنطقه وتعيش في أجوائه ناقدة وشاعرة على حد سواء بحثاً عن أصول فنية أو تجسيداً لمقولة نقدية أو تحديداً لخصائص شعرية مشتركة.





للتحميل
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق