الأحد، أغسطس 30، 2015

اعد اصباعي .. تخطيطات الفنان يحيى الشيخ

«ليس الغبار أكبر مخاوفي، بل هي يد الإنسان»
الفنان الفرنسي ادغار ديغا
اكتب وللمرة الثانية عن الفنان العراقي " يحيى الشيخ "، وهذه المرة عن اصابعه.
كانت اليد ولاتزال هي الثيمة الاكثر اعجازا في الفن، وفي الحياة، إنها التي صنعت من الكائن البشري انساناً، ومن الفنان واهباً للجمال.
ما من عمل فني يكون فيه انسان إن لم يفكر الفنان بمكان اليد ومكانتها – سائبة، مقبوضة، متخفّية، ممدودة، حائرة، او تسند رأساً- هناك في عروقها وعضلاتها تكمن احاسيس الانسان وحالته وقدرته على الحياة، هناك يكمن المعنى.
إنها "اليد التي خلقتني" كما يقول الشيخ، والذي شغلني امرها، في مجموعته التخطيطية "احسب اصابعي" وهو يعدها: خنصر بنصر وسطى سبابة ابهام، ويعيد عدّها مرة ثانية، ويخطأ ! هكذا جاء في قصيدته "اخطأ ثانية". عجبا كم مرة على المرء ان يعدّ اصابعه ليعرف، اصابع يده التي خلق عليها ولا زمته في رحلته، التي حكّ بها اسنانه اللبنية، والتي يتلمس بها الحيطان بعد عمر طويل. او تلك، التي يحسبها المحكوم بالاعدام، الذي رفض كل شيء غير ان يواصل، بلا هوادة، يعدّ أصابعه، ويعيد الكرة بلا أمل، كما في قصيدته " أحسب اصابعي": 
"..... أهملني،
لا يكلمني،
لا يأكل، 
لا يشرب،
لا يدخن،
لا يكتب،
لا يرسم،
لا يغني،
يقضي وقته يقلّب كفيه،
يتأمل أظافره النظيفة المقلّمة بإتقان،
ويحسب أصابعه."









لستُ في حقل شعره لأقطف المزيد من زهوره شرسة العطر، اليائسة من نجاتها، إنما انا في مرسمه. أمام تخطيطات تلقائية لاصابع وايادي نسجت سنيناً عامرة بالنتاج الفني حتى أصبحتْ جزءً من الموضوع. انها تلقائية تنطوي على الكثير من الثقة بحساسيتها وبقدرات صاحبها. تظهر افعالها تلقائيا بين أفكار اللوحه تتلمس، تنقر، تعدّ، تمسك. فعلت فلعها بالزمن وتركته ينقش اثره عليها. اصابع فرشت خيوط اللباد والريش بدلا من ألوان الزيت وغيرها. بها وبحرفة رسم لنا الطبيعة، تلك الحبيبة الاولى والملهمة لكل فنه. يد نحتت الكلمات بحكمة بعثت النبض في اللغة، فكتب لنا "سيرة الرماد " وساعة الحائط " هذه اليد هي من عقدت الصلح في استقامة القلم وعلّمته الرصانة.
ايتها اليد الممتلئة بايامك المعدودة كعدّ الاصابع، في مثل هذه الأيام تحتاجين قليلا من الثبات، قليلا من التروي، قليلا من الحكمة؛ حتى يكون العالم بخير .. ممتليء بالجمال خادم للانسان... رسالة يحيى الشيخ الى العالم عبر اصابعه.